كشفت تقديرات رسمية في دولة الاحتلال عن تصاعد حاد في الأزمة النفسية التي يعاني منها جنود الجيش الإسرائيلي، في ظل استمرار الحرب المفتوحة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وغياب أفق سياسي أو ميداني لإنهائها.
ووفقًا لتقرير نشره موقع "يديعوت أحرنوت" اليوم الأحد، فإن وزارة الجيش الإسرائيلية تتوقع أن يصل عدد الجنود المصابين بإعاقات نفسية وعقلية إلى نحو 100 ألف جندي بحلول عام 2028، بينهم عشرات الآلاف ممن يُتوقع أن تستمر إصاباتهم طيلة حياتهم.
وتشير البيانات إلى أنه منذ بدء الحرب على غزة، تم تشخيص 3,769 جنديًا باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فيما يخضع أكثر من 10 آلاف جندي للعلاج النفسي تحت إشراف الوزارة. أما خلال عام 2024 وحده، فقد تم تسجيل أكثر من 9 آلاف طلب للاعتراف بإصابات نفسية، معظمها بين جنود في مقتبل العمر، ومن ضمنهم عدد كبير من جنود الاحتياط وآباء لعائلات.
ويؤكد مختصون أن العديد من الأعراض لا تظهر أثناء المعارك، بل تتفجر لاحقًا مع عودة الجنود إلى الحياة المدنية، حيث يبدأ العقل في معالجة مشاهد العنف الدموي، وخسارة الزملاء، والضغط النفسي المرافق للعمليات العسكرية.
وأدى هذا الواقع إلى تزايد محاولات الانتحار والانهيارات العصبية، ما اضطر وزارة الدفاع إلى إنشاء وحدات تدخل نفسي متنقلة، تعمل يوميًا في مدن الداخل المحتل، وتتعامل مع ثلاث إلى أربع حالات حرجة يوميًا.
وتحذّر وزارة الجيش من أن الأعباء النفسية لا تتوقف عند الأفراد، بل تتوسع لتُشكل أزمة اجتماعية واقتصادية متنامية، إذ أن آلاف المصابين غير قادرين على العودة إلى وظائفهم أو الاندماج مجددًا في الحياة اليومية.
وخصصت حكومة الاحتلال مليارات الشواقل سنويًا لتغطية تكاليف التأهيل النفسي، وسط نقص حاد في الكوادر المتخصصة، إذ يتولى كل أخصائي اجتماعي متابعة نحو 750 مريضًا، ما يقوّض فعالية الرعاية الفردية.
ولتجاوز الأزمة، تم افتتاح مراكز علاج وتأهيل خاصة لمن يواجهون صعوبة في الإقامة مع عائلاتهم، وخصوصًا جنود الاحتياط الذين يعانون من اضطرابات مزمنة ومعقدة.
وبحسب التقرير، لم تقتصر تداعيات الحرب الحالية على الجنود المشاركين فيها فقط، بل أدّت أيضًا إلى إعادة تنشيط الصدمات القديمة لدى الجنود الذين شاركوا في حروب سابقة، مثل الاجتياح الإسرائيلي للبنان والعمليات في الضفة الغربية، ما ساهم في اتساع رقعة المصابين نفسيًا.
ودفعت هذه المؤشرات منظمات مدنية، مثل "حركة حرية المعلومات"، إلى المطالبة بنشر البيانات بشكل منتظم وشفاف، نظرًا لما تمثله من أهمية وطنية وأخلاقية.
وفيما يواصل جيش الاحتلال الحرب في غزة، تتّضح تدريجيًا الكلفة النفسية الباهظة التي ستتحمّلها المؤسسة العسكرية والمجتمع الإسرائيلي، ليس فقط على مستوى الصحة النفسية للجنود، بل أيضًا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال السنوات المقبلة.