تواجه حكومة المملكة المتحدة طعناً قانونياً جديداً على خلفية قرارها بعدم إجلاء أطفال فلسطينيين مصابين بأمراض خطيرة من قطاع غزة، في خطوة اعتبرها حقوقيون تمييزية وغير إنسانية مقارنة بسوابق بريطانية في التعامل مع أطفال عالقين في مناطق صراع مثل أوكرانيا والبوسنة، وفق ما أفادت صحيفة الغارديان البريطانية.
ورُفعت الدعوى القضائية ضد وزارتي الخارجية والداخلية في بريطانيا، نيابةً عن ثلاثة أطفال فلسطينيين يعانون من أمراض تهدد حياتهم، في ظل عجز القطاع الصحي المحاصر عن توفير الرعاية اللازمة، وانهيار شبه تام للمنظومة الطبية في غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر الماضي.
وتقود شركة المحاماة البريطانية لي داي هذا التحرك القانوني، وقالت المحامية كارولين أوت إن الحكومة "لم تأخذ بجدية حقيقة غياب الخيارات العلاجية داخل غزة"، معتبرة أن الاعتماد على تأشيرات للعلاج الممول من القطاع الخاص في بريطانيا، أو توفير دعم للعلاج داخل غزة والمنطقة، "آليات غير كافية بتاتاً" ولا تستجيب للاحتياجات الطبية العاجلة.
وبحسب تفاصيل الدعوى، فإن أحد الأطفال يعاني من تشوّه شرياني وريدي في الوجه يسبب له نزيفاً متكرراً وخطيراً، فيما يعاني شقيقان آخران من اعتلال كلوي سيستيني مزمن أدى إلى فشل كلوي تام لدى أحدهما، حيث أصبح غير قادر على الحركة.
عائلات الأطفال الثلاثة ناشدت الحكومة البريطانية لإجلاء أبنائها للعلاج العاجل خارج القطاع، مؤكدةً أن بقاءهم في غزة يعرض حياتهم لخطر الموت الوشيك. وانتقدت الحملة الحقوقية الموقف البريطاني، الذي اكتفى بالإشارة إلى "وجود بدائل علاجية في غزة والمنطقة"، رغم العجز الصارخ الذي تؤكده المنظمات الدولية.
وبحسب تقرير الغارديان، يبرز هذا الطعن القضائي التناقض في سياسة المملكة المتحدة، التي سبق أن قامت بعمليات إجلاء طبية إنسانية من مناطق نزاع أخرى، كان أبرزها أوكرانيا والبوسنة، في حين لم تُعلن حتى الآن عن استقبالها أي حالة من غزة ضمن برنامج رسمي، رغم تفاقم الأوضاع الصحية وارتفاع أعداد المصابين من الأطفال.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن عدد المرضى الذين يحتاجون إلى إجلاء طبي من قطاع غزة يُقدّر بنحو 12,500 شخص، من بينهم 4,984 طفلاً. وحتى نهاية نيسان/أبريل الماضي، لم يتم إجلاء سوى 7,229 مريضاً، تم توزيعهم بين دول مثل مصر، الإمارات، قطر، وبعض الدول الأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة.
من جانبها، أوضحت منظمة "أطباء بلا حدود"، التي تمكنت من إجلاء 22 مريضاً فقط، أن أبرز العوائق تتمثل في "ندرة الدول المستعدة لاستقبال المرضى"، في ظل مخاوف بعض الحكومات من اعتبار الإجلاء شكلاً من الهجرة القسرية، أو خشية تحمّل عبء إقامة المرضى طويل الأمد.
ورداً على هذه الانتقادات، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية إن بلاده "دعمت منذ بداية الحرب أكثر من 500 ألف شخص في الأراضي الفلسطينية من خلال المستشفيات الميدانية والمساعدات الطبية".
وأضاف أن الحكومة وفرت تأشيرات علاج لأطفال من غزة داخل المملكة المتحدة، بالتعاون مع مشروع الأمل النقي، ولكن بتمويل خاص.
وأشار إلى أنه في مايو/أيار الماضي، دخل طفلان من غزة إلى بريطانيا لتلقي العلاج، لكن الخطوة لم تكن ضمن سياسة حكومية رسمية، بل تمت عبر ترتيبات خاصة.
وتنتهي المهلة الرسمية للرد على الخطاب القانوني الموجه إلى الحكومة في 28 يوليو الجاري، وهو التاريخ الذي قد يشهد بدء إجراءات التقاضي الرسمية إذا لم تقدم الحكومة تبريراً مقنعاً أو خطوات عملية لمعالجة الملف.
التحرك القانوني يأتي وسط تصاعد الانتقادات الحقوقية الدولية لبريطانيا بسبب موقفها من الوضع في غزة، لا سيما مع استمرار الحصار وتفشي المجاعة ونقص الدواء، في وقت تُتهم فيه قوى غربية بازدواجية المعايير في التعاطي مع الأزمات الإنسانية، وفقاً لعدة منظمات إنسانية.
ويستمر الضغط الحقوقي في الداخل البريطاني على حكومة رئيس الوزراء ريتشي سوناك، وسط دعوات من أعضاء في البرلمان ومجالس محلية ومنظمات خيرية لإعادة النظر في السياسة الحالية، وتبني برنامج إنساني عاجل لإجلاء المرضى، خصوصًا الأطفال، من غزة إلى المملكة المتحدة أو دول أخرى.