قائمة الموقع

"أين أمِّي؟"... وجع الطِّفلة سعاد بعد مجزرة محو العائلة

2025-07-11T16:44:00+03:00
"أين أمِّي؟"... وجع الطِّفلة سعاد بعد مجزرة محو العائلة
فلسطين أون لاين

على بُعد أمتار قليلة من منزلها المدمَّر، وقفت الطفلة سعاد، ذات الأربع سنوات، أمام بيت أقاربها، تحدّق بصمت نحو المكان الذي كانت تسكنه قبل أن يتحوّل إلى كومة من الركام والذكريات.

وجهها الغضّ مشوّه بحروق متفاوتة، وجروح بطول أربعة سنتيمترات في الرأس، ورضوض تغطي جسدها النحيل.

تحاول سعاد أن تفهم ما جرى، فتسأل تارة عن والدها "ياسر"، وتارة عن والدتها "سحر"، وشقيقتها الرضيعة "ماسة"، ثم تهمس باسم شقيقها "ياسين"، المصاب بجروح خطيرة ويرقد حاليًا في مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة. لكنها لا تجد من يجيب، فقط دموع، ووجوه غارقة في الحزن.


 

انفجار مروّع

في حدود الساعة 11:30 مساءً، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي من نوع "F-16" منزلًا يعود لعائلة جودة، مجاورًا لمنزل عائلة الكردي.

كان الانفجار مروّعًا، وأسفر عن استشهاد 11 شخصًا، بينهم 4 من عائلة الكردي و7 من عائلة جودة، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 60 شخصًا من سكان المنازل المجاورة.

يروي ماجد الكردي، أحد أقارب الشهداء، ما حدث قائلًا: "في تمام 11:45، سمعنا صوت انفجار عنيف في المنطقة. خرجنا مسرعين لنقدّم المساعدة، لكن ما إن وصلنا حتى صُدمنا بأن منزل خالي، الذي أقام فوق أنقاضه ثلاث خيام بعد عودته من النزوح، قد انهار فوق ساكنيه."


 

وأضاف أن أقاربه عادوا قبل أشهر من رحلة نزوح طويلة دامت 15 شهرًا بدأت مع اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023. وبعد عودتهم، لم يجدوا منزلهم، فسارعوا إلى إزالة الركام ونصب ثلاث خيام على الأرض التي لم يتبقَّ منها شيء.

يتابع الكردي، وعيناه تفيضان بالحزن: "بدأنا ننادي بأسماء عمّي وأولاده، علّ أحدًا يرد من تحت الأنقاض. استخدمنا كشافات هواتفنا، لم يكن هناك وقود لتشغيل المعدات الثقيلة، فقط أيادينا وأدوات بدائية ننبش بها الركام المتلاصق بين بيوت مخيم الشاطئ."

ويمضي: "وبعد جهد طويل، تمكّنا من انتشال جثث ياسر، وزوجته سحر، وطفلتهما الرضيعة ماسة، بالإضافة إلى ابنة شقيقه زينة يوسف الكردي. كما عثرنا على الطفل ياسين وهو مصاب بجراح حرجة، وعلى سعاد وهي مصابة بحروق."

استهداف متعمد

في ركن قريب، جلس يوسف الكردي، والد الشهيدة زينة، وهو مصاب برضوض، شارد الذهن، لا يعرف كيف يواسي نفسه.

فقد في لحظة واحدة: ابنته، وشقيقه، وزوجته، وابنة شقيقه. كما أُصيبت زوجته بجروح متوسطة، ووالدته العجوز بجروح خطيرة، وهي الآن بين الحياة والموت في مستشفى الشفاء.

يتساءل يوسف بصوت مكسور: "نحن مدنيون، لم نحمل سلاحًا، ولم نهدد أحدًا. لماذا يتم استهدافنا بهذا الشكل الوحشي؟ الاحتلال لا يفرّق بين طفل وامرأة، هدفه الوحيد هو القتل والتهجير."

وعلى مقربة منه، يجلس شقيقه محمد الكردي، الذي كان يسكن في مكان قريب من موقع القصف بعد أن عجز عن نصب خيمته في موقع بيتهم بسبب ضيق المساحة وشدة الدمار.

يقول لصحيفة "فلسطين": "عند سماع الانفجار، لم أتخيل أبدًا أن البيت المستهدف هو بيتنا. أهلي لا يشكّلون خطرًا على أحد، فقط مدنيون يحاولون البقاء على قيد الحياة."

إبادة مستمرة

منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت ويلات حرب إبادة تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي.

أكثر من 189 ألف شهيد وجريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين الذين فقدوا المأوى والغذاء وحتى الأمل.

وفي مستشفى الشفاء، يرقد الطفل ياسين وأبناء عمه وجده وجيرانهم على أسِرّة المستشفى الذي تعرّض أكثر من مرة للقصف، وأُعيد ترميم بعض أجزائه بصعوبة شديدة في ظل الحرب والحصار وانعدام الموارد.

ورغم أوامر محكمة العدل الدولية والنداءات العالمية لوقف العدوان، يواصل جيش الاحتلال عدوانه على القطاع لليوم الـ640 على التوالي، حيث لم تعد مشاهد الأطفال المحترقين، والنساء المذبوحات، والشيوخ تحت الأنقاض، استثناءً، بل أصبحت مشهدًا يوميًا في غزة.

وباتت الطفلة سعاد، التي لم تُكمل عامها الخامس، بلا أبٍ ولا أم، وحدها في عالم يغلي بنيران لا ترحم.

تتساءل بين الحين والآخر عن والديها، لكنها لا تجد سوى الصمت، وأيادٍ تمسح دموعها، بينما يحمل وجهها الطفولي جراح وطنٍ بأكمله.


 

اخبار ذات صلة