في ظهيرة يوم الأربعاء الماضي، والذي كان يُفترض أن يكون يومًا عاديًا وسط ركام حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، كانت عائلة سمير اللقطة تجتمع على مائدة متواضعة في منزلها بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
كان الغداء عبارة عن شوربة عدس وبعض قطع الخبز، جلبها سمير (26 عامًا) بعد عناء شديد في ظل شح المواد الغذائية وارتفاع الأسعار الجنوني، ليطعم بها زوجته (23 عامًا) وطفليه الصغيرين. لكن طائرات الاحتلال لم تمهلهم فرصة لتناول لقمتهم الأخيرة.
ففي تمام الساعة الثانية ظهرًا، أطلقت طائرة حربية إسرائيلية من طراز (F-16) صاروخًا على شقتهم السكنية، الواقعة في الطابق الأول من عمارة قريبة من مدرسة شهداء الشاطئ غربي المدينة.
وبضربة واحدة، أُبيدت العائلة بالكامل، وأُعلن عن استشهاد سمير، وزوجته، وطفليه، والجنين الذي كان ينمو في رحم والدته.
بشاعة لا توصف
كان محمد اللقطة، شقيق الشهيد، من أوائل من وصلوا إلى موقع القصف. رأى ما لا يمكن لعقل بشري احتماله.
يقول والدمعة تخنق صوته لمراسل "فلسطين أون لاين": "رأيت الجنين وقد خرج من رحم أمه الممزق، مقطوع الرأس... مشهد لا يُنسى ولا يمكن وصفه."
ثم يتساءل بمرارة: "ما ذنب الجنين؟ هل أصبح الطفل في بطن أمه تهديدًا أمنيًا؟ العالم يرى ما يحدث ولا يتحرك... نحن نُباد حرفيًا."
كانت زوجة شقيقه، كما يروي، في شهرها الخامس من الحمل، تنمو في أحشائها حياة صغيرة وسط الموت، لكن الاحتلال اغتالها هي وجنينها، وطفليها، وزوجها، في لحظة واحدة.
لم يكن مقاتلًا
يؤكد محمد أن شقيقه سمير لم يكن يحمل سلاحًا، ولم يكن مقاتلًا، بل كان شابًا هادئًا، متواضعًا، محبوبًا بين أهله وجيرانه، فقط أراد أن يحمي أسرته من شبح الموت الذي يلاحق الغزيين في كل مكان.
ومع بدء العدوان، لجأ سمير، كغيره من آلاف العائلات، إلى مناطق جنوب قطاع غزة، بعد أن زعمت قوات الاحتلال أنها "مناطق آمنة". لكن تلك المناطق كانت مجرد مصائد موت، تعرضت للقصف مرارًا، ما اضطره للتنقل عدة مرات بين الجنوب والوسط.

وبعد اتفاق وقف إطلاق النار في يناير الماضي، عاد إلى منزله المدمر جزئيًا، ونظّفه من الركام محاولًا ترميم حياته أسوة بغيره، لكن الاحتلال نكث الاتفاق، واستهدفه بعد أربعة أشهر بصاروخ أودى بحياته وحياة عائلته.
دموع لا تتوقف
محمد اللقطة الذي فقد شقيقين في الحرب المدمرة على القطاع، يعيش حالة من الذهول والصدمة. فشقيقه الآخر، سعيد، استُشهد قبل سبعة أشهر، إثر قصف منزل لجأت إليه العائلة.
يقول بأسى: "بقينا أنا، وأربع شقيقات، ووالديَّ فقط... أما باقي العائلة فاستشهدوا واحدًا تلو الآخر. لا شيء يصف هذا الألم، لا شيء."
ويضيف: "نعيش الآن على ذكرياتهم، صورهم، ألعاب أطفالهم، كل ركن في المنزل يصرخ بأسمائهم. رحلوا جميعًا تحت القصف، في وضح النهار، وبدون أي سبب."
جزء من سلسلة مجازر
ما جرى مع عائلة اللقطة ليس استثناءً، بل هو جزء من سلسلة طويلة من المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة، والتي تجاوزت في وحشيتها كل الخطوط الحمراء.
فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعية في قطاع غزة، ضاربة عرض الحائط كل المواثيق الدولية، ومتجاهلة أوامر محكمة العدل الدولية بوقف الحرب.
وقد أسفرت هذه الإبادة عن سقوط نحو 194 ألف شهيد وجريح فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ونزوح مئات الآلاف من السكان وسط مجاعة متفاقمة، أودت بحياة عدد كبير من أبناء القطاع.

