كشفت مذكرة داخلية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية، أن مسؤولًا رفيعًا في الوزارة صادق على منحة بقيمة 30 مليون دولار لصالح "مؤسسة غزة الإنسانية"، رغم عدم استيفاء المؤسسة لشروط فنية ومالية أساسية، وتجاوز تسعة معايير إلزامية تتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع الاحتيال.
وبحسب الوثيقة، اطلعت عليها وكالة رويترز، فإن جيريمي لوين، المسؤول عن برنامج المساعدات الخارجية، وقّع على القرار في 24 يونيو 2025، بعد خمسة أيام فقط من تقديم المؤسسة طلب المنحة. القرار جاء وسط اعتراضات واسعة من خبراء في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، الذين قدموا 58 ملاحظة فنية وإجرائية وطالبوا بتأجيل التمويل إلى حين معالجتها.
وأشارت المذكرة إلى أن لوين استند في قراره إلى "دعم قوي من الإدارة"، مضيفًا في رسالة إلكترونية أنه ناقش الأمر مع مساعدي ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ووزير الخارجية ماركو روبيو، مؤكداً أن القرار "سيثير جدلاً" لكنه مستعد "لتحمل تبعاته".
وتحظى مؤسسة غزة الإنسانية بدعم سياسي من شخصيات بارزة في إدارة ترامب السابقة، كما تربطها علاقات غير مباشرة بالسياسات الأمريكية والإسرائيلية في غزة. ويقول منتقدو القرار إن تسريع صرف التمويل رغم التحذيرات "يضعف معايير الرقابة ويخاطر باستخدام أموال دافعي الضرائب لأغراض سياسية أو غير شفافة".
من جهتها، برّرت وزارة الخارجية الأمريكية الخطوة بالقول إن المنحة أُقرّت وفق بند طارئ يسمح بتجاوز بعض الشروط "لتلبية احتياجات إنسانية ملحة". وأكدت أن المؤسسة "تخضع لرقابة مالية صارمة" وأُلزمت بتقديم تقارير دورية لضمان الشفافية.
لكن مذكرة منفصلة صادرة عن كينيث جاكسون، نائب مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالإنابة، أكدت أن المؤسسة "منظمة حديثة لا تستوفي الشروط الرسمية"، ومع ذلك تم التوصية بالتنازل عن تسعة شروط نظرًا لـ"الاعتبارات الإنسانية والسياسية الملحّة".
وفي وقت سابق، كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، في تحقيق موسع، عن تورط مجموعة "بوسطن للاستشارات" الأميركية (BCG) في مشروع يحمل الاسم الكودي "أرورا"، استهدف تقديم نموذج مالي لخطط تهجير سكان قطاع غزة إلى خارج الأراضي الفلسطينية، قبل أن تنسحب من المشروع وتفصل اثنين من كبار الشركاء، بعد الكشف عن عملها على خطط بشأن مستقبل غزة بعد الحرب الإسرائيلية.
ووفقاً للصحيفة، فإن الشركة وقعت عقداً بقيمة 4 ملايين دولار للمشاركة في إعداد دراسات متعلقة بإعادة إعمار غزة بعد الحرب، تضمنت حسابات تفصيلية حول كلفة إعادة توطين مئات الآلاف من السكان، في سيناريوهات صنفت على أنها "اختيارية"، رغم ما وصفته الأمم المتحدة بـ"التهجير القسري" و"التطهير العرقي".
وذكرت الصحيفة أن المشروع الذي أُطلق عليه اسم "أرورا" (Aurora)، شمل نماذج مالية تتضمن تقديم "حزم توطين" بقيمة 9 آلاف دولار للفرد، بما يعادل نحو 5 مليارات دولار لتهجير نصف مليون فلسطيني. وشارك فيه أكثر من 10 موظفين من BCG على مدى سبعة أشهر، من أكتوبر 2024 حتى مايو 2025.
وقالت فاينانشيال تايمز إن المشروع تم بالتعاون مع "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي كيان حديث العهد مدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل، ومتهم باستخدام نموذج عسكري لتوزيع المساعدات داخل القطاع تحت إشراف متعاقدين أمنيين أميركيين وبحماية من الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 600 فلسطيني أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء.
ويشير التحقيق إلى أن الخطة الأميركية المزعومة لتقديم المساعدات الإنسانية، نشأت فعلياً في إسرائيل، وأن بعض شركاء BCG سعوا لتجنب "اتهامات بالتحيز"، من خلال منع مستشارين من أصول شرق أوسطية أو إسرائيلية من المشاركة في المشروع.
رغم دعم المؤسسة بـ30 مليون دولار من الولايات المتحدة، تظل مصادر تمويل "مؤسسة غزة الإنسانية" وشركائها الأمنيين غامضة، حتى بالنسبة لبعض أفراد فريق BCG. وفي مايو الماضي، قدّم جيك وود، الرئيس التنفيذي للمؤسسة، استقالته، معلناً أن المشروع "يتعارض مع المبادئ الإنسانية".