قائمة الموقع

"صفاء" و"مصعب" عناق أخير في ليلة العيد

2025-06-07T20:25:00+03:00
فلسطين أون لاين

في مساء يوم عرفة، بينما كان العالم الإسلامي يستعد لاستقبال عيد الأضحى، كانت صفاء أبو شاويش، تُعد لعيدٍ مختلف، علّه يُدخل الفرحة على وجه طفلها "مصعب" ذي العام والنصف.

رغم رائحة الموت التي تخيم على غزة، منذ أكثر من 19 شهراً، أصرت "صفاء" أن تعيش لحظة من الحياة، فاشترت لـ"مصعب" ملابس جديدة، ألوانها زاهية كما كانت أحلامها، وعلقتها قرب سريره، وكأنها تهمس له: "العيد قادم يا صغيري".

وفي تلك الليلة، لم يكن في بال "صفاء" سوى أن تضم طفلها وتطمئن قلبه بنومة هادئة، احتميا ببعضهما في غرفة صغيرة بشقة متواضعة، في عمارة تقع قرب مركز شهداء الشيخ رضوان الصحي شمال غرب مدينة غزة.

لكن الهدوء لم يدم طويلًا، فبينما كانت غزة، تغط في ظلامها المعهود بسبب انقطاع الكهرباء، بدأ صوت مروحيات الأباتشي الإسرائيلية يمزق سكون المدينة، كما مزق قلوب أهلها.

وقبل أن تصل الساعة إلى الحادية عشرة ليلًا، دوى انفجار عنيف، صاروخ واحد، أطلق من طائرة حربية، استهدف شقة "صفاء" مباشرة، لم يكن هناك إنذار، لا تحذير، فقط صمت أعقبه دمار، ثم صمتٌ آخر، أعمق هذه المرة، حين خيم على جسدين صغيرين بلا حراك.

أضواء خافتة

في البداية، لم يعرف الجيران ما حدث، يقول محمد دحلان، أحد سكان المنطقة: "سمعنا صوت الانفجار، كان قريبًا جدًا، ركضنا نحاول تحديد المكان المستهدف، الظلام كان خانقًا، لم نر شيئًا، استعنا بأضواء هواتفنا حتى اكتشفنا أن الشقة في الطابق الثالث، شقة "صفاء" هي الهدف".

ويضيف دحلان لمراسل صحيفة "فلسطين" بصوت خافت: "هرع الجيران عبر الدرجات المحطمة، على ضوء الكشافات الخافت، وهناك كانت المأساة، وجدنا الأم وطفلها شهيدين، لم يتبقَّ من الأجساد إلا أشلاء، الصاروخ مزقهما بلا رحمة، لم نصدق ما رأيناه".

ويتابع محمود نجم، أحد سكان الحي، بغضب: "ما ذنب الأم وطفلها ؟!، لماذا يُستهدف من ينام في حضن أمه؟، نحن لا نفهم سوى أن هذا الاحتلال لا يفرق بين طفل ومقاتل، بين حضن وأسلحة، الأم كانت تحضن صغيرها، فهل أصبح ذلك تهديدًا؟".

نجم، كغيره من سكان غزة، لا يجد إجابة على سؤاله، لكنه لا يكف عن طرحه، ربما لعل العالم يسمع: "أي عيد هذا الذي نستقبله وأطفالنا يُقتلون، نساؤنا تُذبح في بيوتهن، ونحن نحاول فقط أن نحيا، أن نحضن أبناءنا قبل أن يأخذهم صاروخ، العالم يحتفل، ونحن نحفر قبورًا صغيرة بحجم مصعب".

لم تكن المجزرة التي أودت بحياة "صفاء" ورضيعها الأولى، ولن تكون الأخيرة، لكنها، مثل آلاف القصص في غزة، تجسّد الواقع القاسي لحياةٍ تُسرق كل يوم من بين أيدي الأبرياء، فكل بيت في غزة يحمل حكاية فاجعة، لكن قصة "صفاء" و"مصعب" كانت أكثر وجعًا لأنها حدثت في ليلةٍ ينتظر فيها الناس الفرح، لا الدفن.

هول الصدمة

أما جيرانهم، فما زالوا يعانون من وقع الصدمة، وتقول سيدة كانت تسكن في الطابق الثاني: "صفاء، كانت طيبة القلب، تحب "مصعب" بجنون، كانت تحكي لنا عن كيف سيكبر ويذهب للروضة، كانت تضحك وهو يحاول المشي، مردفة بحزن: كل ذلك انتهى في لحظة، لماذا لماذا ؟".

ويبقى السؤال الأكبر، كما طرحه نجم عبر مراسل صحيفة "فلسطين": "أين العالم؟، أين الضمير الإنساني؟، أين من يدّعون الدفاع عن الطفولة وحقوق الإنسان؟، كيف يسمح بأن تتحول الأعياد في غزة إلى مآتم، والمنازل إلى قبور؟".

ومنذ 18 آذار/ مارس الجاري، أعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إشعال حربها الضروس، على قطاع غزة، متراجعة عن اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة حماس، كان قد دخل حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني/ يناير 2025م، واستمر 58 يومًا، بوساطة قطرية ومصرية وبدعم من الولايات المتحدة.

ومنذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يرتكب  الاحتلال الإسرائيلي جرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، أسفرت عن أكثر من 175 ألف شهيد وجريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، إلى جانب دمار واسع طال البنية التحتية والمنازل في القطاع.

اخبار ذات صلة