قائمة الموقع

"رجعت بالكفن"... شهادة طفل فقد أمَّه في مذبحة المساعدات المشبوهة برفح

2025-06-05T16:25:00+03:00
"رجعت بالكفن"... شهادة طفل فقد أمَّه في مذبحة المساعدات المشبوهة برفح
فلسطين أون لاين

في عتمة الليل، كانت تمشي بثقل الجوع، تقود اثنين من أبنائها نحو منطقة العلم غرب رفح، وكل ما تفكر به: "والله يما لاجبلكوا كيلو طحين".

أمسكت الأم بيدي ابنيها وهمست: "طملوا روسكم"، بينما كان جنود الاحتلال يمارسون هوايتهم في إطلاق النار المباشر عشوائيا تجاه الجوعى. فجأة، صرخت ابنتها: "يما". سقط جسد الأم، رصاصة استقرت في جبينها.

هذا المشهد، لن ينساه الطفل أحمد زيدان الذي كان مع أخته وأمه يحاولون يوم الثلاثاء تحت وطأة المجاعة وحرب الإبادة الجماعية في غزة، الحصول على طرد غذائي مما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي أنشأتها سلطات الاحتلال بدعم أمريكي لأغراض عسكرية وأمنية تحت ستار إنساني، كما تؤكد المنظمات الدولية المعنية.

في ذلك اليوم، ارتكبت قوات الاحتلال، مجزرة جديدة قرب مركز "المساعدات الأمريكي – الإسرائيلي" في محافظة رفح، أسفرت عن استشهاد 27 مدنيا مُجوّعا، وإصابة أكثر من 90 آخرين بجراح متفاوتة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.

وارتفعت حصيلة الضحايا المُجوَّعين إلى 102 شهيدا و490 مصابا خلال ثمانية أيام فقط. وبذلك، يحول الاحتلال مراكز توزيع "المساعدات الأمريكية - الإسرائيلية" إلى مصائد موت جماعي وأفخاخ دموية.

ووجد الطفل أحمد نفسه ضحية للجوع وتهديد الحياة، على مدار حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تمنع قوات الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية لغزة.

"بقول للشباب ميروحوش"

"أنا وأختي ضلينا فوقها.. لو قمنا بنموت.. بيطخوا علينا مباشر.. ضلينا هيك لحد ما طلع النهار"، بدموع وقلب مكسور، يصف أحمد، المكلوم باستشهاد أمه، هذه الفاجعة، بينما لا تزال مصائب حرب الإبادة، تعصف به وبإخوته.

على مدار ستة أيام، كان أحمد يخرج مع والدته وأخته كل مساء من السابعة حتى الفجر، إلى منطقة العلم، على أمل الحصول على ما تُسمى "كوبونة" مساعدات.

"كل يوم بنمشي ٢ كيلو.. وبنضل نركض وهم بيطخطخوا علينا مباشر.. مش في السما.. مباشر"، يتابع شهادته في في مقاطع فيديو انتشرت كالنار في الهشيم بمواقع التواصل.

يصف مشهدا يوميا يتكرر: "بيوقفونا (الاحتلال) على جنب الحيط.. بـ(السلاح) الجوي والكواد كابتر والزنانات والقناصات.. الإصابات والشهداء بالمئات.. مدنيين، مش عساكر".

"الاحتلال والأمريكان بيكذبوا.. بيقولوا عليكم الأمان تاخدوا الكوبونة.. بس ما بناخدها.. بيذلوا فينا وبيقتلونا.. من المغرب للفجر وهم بيرموا علينا قنابل صوت وغاز وبيطخوا علينا كل دقيقة".

قبل استشهادها، كانت الأم تهمس بحبها المعتاد: "والله يما لاجبلكوا كيلو طحين".. لكنها لم تصل.

"الرصاصة إجت في جبينها.. أختي صرخت.. وضلينا فوقها.. لو تحركنا كنا استشهدنا، وأخيرا شردنا بالذل والمعاناة"، يواصل حديثه.

بقي الطفل وأخته بجوار جثمان والدتهما لفترة، عجزت خلالها حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر من انتشال جثمانها تحت النار الكثيف.

"إحنا مدنيين، مش عساكر.. حاملين شنط شخصية مش سلاح"، يدحض بذلك مزاعم جيش الاحتلال.

ويؤكد أنه لو حصل على حقه في الغذاء، لما أجبره الجوع على سلك هذه الطريقة الخطرة للحصول على طرد غذائي مغمس بالدم.

أحمد فقد أخاه أيضا في هذه الحرب: "أنا عندي ٨ إخوة.. واحد فيهم استشهد".

أما إخوته الأصغر، فما زالوا يرفضون تصديق استشهاد والدتهم: "بنقولهم هيها.. بيقولوا لا مش ماما.. ماما رايحة تجيب طحين".

يلخص أحمد سنة ونصف من الحرب والجوع بكلمات موجعة: "٣ شهور المعبر مسكر.. ما دقنا حبة خبز أو طحين.. ولما أمي قالت بدي أجبلكم كيس طحين.. رجعت بالكفن الأبيض".

ويتابع: "غزة ماتت من الجوع.. نفسي يوم آكل لقمة منيحة.. لقمتنا مغمسة بدم أمي".

ويختم بنداء: "بقول للشباب ميروحوش.. ملعونة هاي الكوبونة.. يا بتيجي باحترام يا بلاش... أمي راحت.. وقبلها أخويا.. ومش ضامنين أرواحنا"، مردفا بأسى: "بدنا نعيش بكرامة.. بدون إهانة.. لأننا بنشوف الذل والموت مية مرة كل يوم".

بجوار جثمانه أمه، صرخ أحمد كثيرا، لكن الأمل في داخله انطفأ.

ومع استمرار "مسرحية المساعدات" الإسرائيلية - الأمريكية بعيدا عن مؤسسات الأمم المتحدة، يبقى المجوعون، عرضة للقتل بالنيران والجوع في آن واحد.

اخبار ذات صلة