فلسطين أون لاين

من تحت الدمار.. صناعة الملابس في غزة تكافح ارتفاع التكاليف ونفاد الأقمشة

...
من تحت الدمار.. صناعة الملابس في غزة تكافح ارتفاع التكاليف ونفاد الأقمشة
غزة/ محمد عيد

دفع الحصار الإسرائيلي الكامل على جميع منافذ ومعابر غزة، وما ترتب عليه من نقص حاد في الملابس المعروضة بالأسواق المحلية، بصاحب مصنع الخياطة هاني الحاج إلى إعادة تشغيل بعض آلاته التي توقفت طويلًا بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية.

وجد الحاج (49 عامًا) نفسه وعماله مضطرين، بعد انقطاع طويل عن العمل، إلى تشغيل محركات آلات الخياطة الكهربائية، لتلبية احتياجات الأسواق المحلية الهائلة، خاصة بعد النزوح القسري لعشرات الآلاف من السكان الذين فقدوا ملابسهم ومقتنياتهم نتيجة الدمار الشامل الذي طال أحياء ومحافظات متفرقة.

ويذكر الحاج لـ "فلسطين أون لاين" أن آلات مصنعه عملت بفترات متقطعة خلال شهور الحرب الماضية، بحسب توفر الأقمشة ومستلزمات الخياطة في جنوب القطاع بعد فصله عن شماله بمحور "نيتساريم".

ويشير إلى أن العام الماضي شهد موجات نزوح واسعة من شمال القطاع إلى جنوبه، ما أدى إلى زيادة الطلب على الملابس، وكان مصنعه من ضمن الجهات المحلية التي ساهمت في خياطتها وإنتاجها.

لكن هذا الطلب الكبير تسبب في نفاد كميات الأقمشة بسرعة، حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني 2025. وبموجب الاتفاق، انسحبت قوات الاحتلال من محور "نيتساريم"، وسُمح للنازحين بالعودة إلى شمال القطاع، إلى أن تنصل الاحتلال من الاتفاق في 18 مارس/آذار، واستأنف حربه على غزة.

يؤكد الحاج أنه خلال تلك الفترة المحدودة، شهدت غزة حركة تجارية نسبية بين شمالها وجنوبها، ما مكّن المصنع من الحصول على بعض الأقمشة رغم ارتفاع أسعارها، إلى جانب ارتفاع تكلفة العملية الإنتاجية عمومًا.

ومع إصدار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قرارًا بإغلاق جميع منافذ القطاع منذ 2 مارس/آذار الماضي وحتى اليوم، عاد الطلب على الملابس المحلية ليرتفع من جديد، في ظل غياب البدائل المستوردة.

وبالفعل، استأنف الحاج العمل في مصنعه وأعاد 15 عاملًا لإنتاج ملابس لكلا الجنسين ومن مختلف الأعمار.

ورغم هذه العودة الجزئية، تواجه المصانع تحديات جسيمة، حيث أشار الحاج إلى معيقات أبرزها: انعدام التيار الكهربائي، ونقص قطع غيار الماكينات، وندرة الأقمشة وارتفاع أسعارها، إلى جانب غياب مستلزمات الخياطة الأخرى.

الحاجة تخلق الإنتاج

نفس الأسباب دفعت زكي شاهين، صاحب مصنع خياطة آخر، لإنتاج حقائب قماشية لتلبية حاجة الأسواق المحلية التي فرغت من البضائع المستوردة بعد 18 شهرًا من حرب الإبادة.

ويذكر شاهين لـ"فلسطين أون لاين" أنه يعمل بطاقة إنتاجية متواضعة، وبعدد متغير من العمال (بين 8 إلى 15 عاملًا)، بحسب حجم الطلب المحلي ومدى توفر السيولة بين المواطنين. وأشار إلى أن الموسم التجاري خلال عيد الفطر الأخير شهد حركة مميزة مقارنة بأشهر الحرب السابقة.

يقول: "هناك طلب متزايد على الحقائب العائلية، وحقائب الأطفال والنساء، وذلك بسبب حاجة النازحين وأصحاب البيوت المدمرة، خاصة الأطفال".

ويضيف: "ليست العملية الإنتاجية كما كانت قبل الحرب، لكنها محاولة للتغلب على المعيقات وصناعة الحياة من جديد في غزة".

ومع تزايد الطلب، ونفاد الأقمشة ومستلزمات الخياطة من السوق الغزي المحاصر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتوقع كل من شاهين والحاج نفاد الكميات المتبقية خلال أسابيع قليلة فقط.

ورغم الحاجة الكبيرة لمستلزمات الإنتاج، يؤكد الصناعيان أنهما لا يطلبان إدخال المواد الخام فقط، بل يضعان أولوية لإدخال الغذاء والمساعدات الإنسانية والأدوية لإنقاذ السكان قبل إنقاذ الاقتصاد.

ووفقًا لتقرير "مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" (IPC)، فإن هناك خطرًا وشيكًا بوقوع مجاعة بين سكان غزة، الذين يبلغ عددهم 2.4 مليون نسمة، خلال الفترة بين مايو وسبتمبر 2025.

لا خيار آخر

عبير العصار (33 عامًا)، لم تجد خلال تسوقها في سوق مخيم النصيرات وسط القطاع، سوى خيارات محدودة من ملابس تناسب طفليها (8 و5 أعوام). وتشتكي من "السرعة" في نفاد الملابس من المحال رغم ارتفاع أسعارها مقارنة بما قبل الحرب.

ويؤكد كل من شاهين والحاج أن ارتفاع الأسعار يعود إلى عدة عوامل، أبرزها: ارتفاع تكلفة اشتراكات الكهرباء من المولدات الخاصة، وغلاء الأقمشة القليلة المتوفرة في السوق المحلي.

ويعترف صاحب معرض الملابس حازم أبو العوف بارتفاع الأسعار وتذمر المواطنين منها، لكنه يشير إلى جودة الملابس المصنعة محليًا، والتي كانت دائمًا تتمتع بسمعة طيبة قبل الحرب وخلالها.

ويقول أبو العوف، الذي دمّر الاحتلال مصنعه ومنزله شرق مخيم البريج خلال هذه الحرب: "حرب الإبادة دمّرت كل شيء، والإغلاق الإسرائيلي المتواصل رفع أسعار السلع الشحيحة داخل القطاع".

ويشير إلى أن نقص السيولة لدى المواطنين يدفعهم لشراء كميات محدودة من الملابس مقارنة بما كانوا يشترونه قبل الحرب أو تدمير منازلهم.

ويختم أبو العوف حديثه كما يختتمه الكثير من الغزيين: لا نريد أكثر من وقف الحرب، وفتح البنوك والمعابر، وعودة الحياة التجارية، وتغذية الأسواق المحلية بمختلف الاحتياجات.

قبل الحرب، بلغ عدد المصانع المسجلة لدى اتحاد الخياطة والنسيج 291 مصنعًا، كانت تشغّل أكثر من 8 آلاف عامل. أما اليوم، فغالبيتها لم تسلم من الدمار الإسرائيلي الذي طال جميع مناحي الحياة.

ولطالما كانت مصانع غزة من الأبرز في إنتاج الملابس عالية الجودة، التي كانت تُسوّق إلى الضفة الغربية والداخل المحتل والأسواق الأردنية.

 

المصدر / فلسطين أون لاين