اتهمت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، الجيش الإسرائيلي بانتهاج سياسة ممنهجة تتضمن التمثيل بجثامين فلسطينيين واحتجازها بطرق اعتبرتها "مهينة وتنتهك القانون الدولي الإنساني"، وقالت إن بعض هذه الممارسات قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب.
في تقرير جديد نُشر اليوم، وحمل عنوان: "يقتلون ويمثّلون بالجثث: ظاهرة التمثيل بالجثامين على يد القوات الإسرائيلية هي أيضًا جزء من ذهنية نزع الإنسانية عن الفلسطينيين في إسرائيل"، ووثق سلسلة حوادث قالت المنظمة إنها تعكس نمطًا متكررًا من الانتهاكات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومن بين الحوادث التي استعرضها التقرير، ما جرى في بلدة قباطية بمحافظة جنين بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2024، حيث ظهر في مقطع مصور جنود إسرائيليون يلقون جثامين أربعة فلسطينيين من سطح مبنى عقب اشتباك مسلح. وأشار التقرير إلى أن تحقيقًا لاحقًا كشف أن العملية نُفذت بأوامر مباشرة من جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، ما ينفي الطابع الفردي للحادثة، بحسب "بتسيلم".
كما وثقت المنظمة حادثة أخرى في 23 تموز/يوليو 2024، عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية مخيم طولكرم وأطلقت صاروخًا أدى إلى ارتقاء خمسة فلسطينيين، من بينهم امرأتان. وأعقبت العملية جرافة عسكرية نقلت جثث ثلاثة من الشبان وجثة الشابة بيان عبيد مع أنقاض الشارع، ولا تزال الجثامين محتجزة حتى اليوم، وفق التقرير.
وأشار التقرير أيضًا إلى جريمة قتل المسنّ توفيق قنديل (83 عامًا) في جنين في 30 آب/أغسطس 2024، حيث أطلقت عليه القوات الإسرائيلية النار، قبل أن تدهسه مركبة عسكرية، ما أدى إلى إصابته بجروح قاتلة.
بتاريخ 28.8.24 مُنذ أوّل أيّام العملية شنّتها إسرائيل تحت مسمّى "مخيّمات صيفيّة"، استولت قوّات إسرائيليّة على أسطُح عدد من المنازل في الحيّ الشرقيّ في مدينة جنين، من بينها منزل عائلة قنديل. طردت القوّات أفراد العائلة المُقيمين في الطوابق العُليا إلى الطابق الأوّل. بعد مضيّ يومين على ذلك، في عصر يوم الجُمعة المُوافق 30.8.24 خرج توفيق قنديل ليمشي في الحيّ كعادته؛ وهو مُسنّ في الـ83 من عُمره ومُصاب بمرض ألزهايمر. بعد مضيّ ساعتين أطلق عناصر من القوّات الإسرائيليّة النار على توفيق وقتلوه. بعد مقتله، دهست رجليه مركبة عسكرية واحدة على الأقلّ حين كانت جثته ممدّدة في الشارع المدمّر.
وفي حادثة أخرى، ذكر التقرير أن الشاب زاهر رداد (19 عامًا) استُخدم كدرع بشري بعد ربطه بمركبة عسكرية خلال اقتحام، وتوفي لاحقًا متأثرًا بجراحه في مستشفى إسرائيلي.
وفي يوم الخميس المُوافق 19.9.24، نحو السّاعة 11:30، حاصرت قوّات خاصّة من وحدة "دوفدفان" منزل عائلة لوباني في حيّ الزكارنة في قباطية. صعد أربعة ناشطين مسلّحين إلى سطح المنزل عبر درج خارجيّ، وقُتلوا بنيران عناصر الوحدة. أحد المسلّحين ، ويُدعى أحمد لوباني (27 عاماً)، كان ناشطا في الذراع العسكريّة لحركة الجهاد الإسلاميّ، أطلقت عليه النيران وهو على سطح الطابق الثاني فسقط على سطح أكثر انخفاضاً؛ وبقيت جثث المسلّحين الثلاثة الآخرين على السّطح، وهُم: عمر أبو الرُّب (24 عاماً)، فادي حنايشة (27 عاماً) ومحمد أبو الرُّب (28 عاماً)، وكان الثلاثة ناشطين في الذراع العسكريّة لحركة الجهاد الإسلاميّ. الجنود الذين صعدوا إلى السّطح نفّذوا إجراء "تأكيد قتل" ناشط واحد على الأقلّ.
بعد ذلك هبط الجنود عن السّطح وواصلت القوّة إطلاق الرّصاص الحيّ نحو المنزل، وكذلك الصواريخ المحمولة على الكتف. خلال تبادُل إطلاق النيران قُتل شادي زكارنة (36 عاماً)، وهو قيادي في كتائب شهداء الأقصى. بعد مضيّ ساعات عدّة صعدت إلى السّطح مجموعة أخرى من الجنود، وأخذوا يركلون الجثث التي بقيت على السّطح ثمّ يُلقونها إلى الشارع - وقد تمّ توثيق فعلتهم هذه في تسجيل فيديو صوّره أشخاص من أهالي الحيّ. بعد ذلك، حمّلت جرّافة عسكريّة الجثث وأخذتها من المكان. تمّ إخراج جثة زكارنة من البناية فقط بعد أن غادرت القوّات البلدة.
وقالت "بتسيلم" إن هذه الممارسات تُعد خرقًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف، بما في ذلك حظر التعامل غير اللائق مع الجثامين، والاعتداء على أشخاص لم يعودوا يشكلون تهديدًا. واعتبرت أن ظاهرة "تأكيد القتل" – إطلاق النار على أشخاص مصابين أو بعد موتهم – تُمارس على نحو متكرر في الميدان.
ورأت المنظمة أن احتجاز الجثامين لأغراض سياسية يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، معتبرة أن إقرار المحكمة العليا الإسرائيلية لهذه السياسة عام 2019 لا يمنحها شرعية قانونية دولية، بل يجعلها "أداة للمساومة تنطوي على شكل من أشكال احتجاز الرهائن"، بحسب التقرير.
وحذرت "بتسيلم" من أن استمرار هذه الانتهاكات، في ظل غياب المحاسبة الداخلية وتواطؤ المؤسسات القضائية، يكرس سياسة تنتهك كرامة الإنسان وتنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، سواء أحياء أو موتى.