في ظل تصاعد النفقات العسكرية بسبب حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، تواجه دولة الإحتلال أزمة اقتصادية داخلية متفاقمة، وسط تقشف حكومي متزايد يطال مختلف القطاعات المدنية، مما يُنذر بموجة احتجاجات شعبية تشمل قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
ويرى اقتصاديان أن "فاتورة الحرب" يتم تحميلها مباشرة للفرد الإسرائيلي، من خلال خفض الإنفاق على الخدمات العامة، وتجميد الأجور، ورفع الضرائب، وهو ما بدأت تظهر آثاره بوضوح على الأداء المعيشي للمجتمع الإسرائيلي.
وتواجه دولة الإحتلال حاليا أزمة متصاعدة في جهاز التربية والتعليم، انعكست في موجة احتجاجات واسعة وتهديدات جماعية بالاستقالة من قبل العاملين في القطاع، على خلفية قرار حكومي يقضي بخفض أجور الموظفين ضمن سياسة التقشف.
وسجلت دولة الإحتلال عام 2024 عجزا ماليا بلغ 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى منذ أكثر من ربع قرن، باستثناء عام 2020 خلال جائحة كورونا، وفق ما ذكرته صحيفة "غلوبس" الاقتصادية.
تفاقم الأزمة المالية
وتعقيبا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي د. هيثم دراغمة: إن الجزء الأكبر من الميزانية الحكومية في دولة الاحتلال بات يُوجّه للنفقات العسكرية، على حساب القطاعات المدنية مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.
وأشار دراغمة لـ "فلسطين أون لاين" إلى أن حرب الاحتلال على غزة فاقمت الأزمة المالية، وأدت إلى تقليص متواصل في موازنات الوزارات المدنية، التي كانت تعتقد أن الوضع مؤقت، قبل أن تدرك أن التخفيضات قد تستمر لعامين أو أكثر، ما أثار حالة من السخط داخل المؤسسات الرسمية.
وأضاف دراغمة أن التوجه يعكس، من وجهة نظره، "محاولة من حكومة بنيامين نتنياهو للبقاء في السلطة بأي ثمن، ولو كان ذلك على حساب رفاهية الفرد الإسرائيلي".
وتوقعت تقارير اقتصادية أن لا يتجاوز النمو الاقتصادي في دولة الإحتلال 1.2% خلال عام 2025، مقارنة بمعدلات وصلت إلى 3% في السنوات التي سبقت الحرب، ما يعكس حجم الانكماش المحتمل في ظل استمرار التوترات الأمنية والسياسات التقشفية.
من جهته، أوضح الاختصاصي الاقتصادي د. نائل موسى، أن حكومة الإحتلال ضخت عشرات المليارات في الآلة العسكرية، حيث تجاوزت زيادة موازنة الجيش حاجز 100 مليار شيقل منذ أكتوبر 2023، بحسب تقارير وزارة المالية في حكومة الاحتلال.
ووفق البنك المركزي الإسرائيلي، تقدر تكلفة العمليات العسكرية المتواصلة على غزة بنحو 150 إلى 200 مليون شيكل يوميا، أي ما يصل إلى مليار شيكل أسبوعيا، وهو يشكل ضغطا إضافيا على الميزانية لعام 2025.
وأوضح موسى لـ "فلسطين أون لاين" أن النفقات شملت تمويل العمليات العسكرية، وتوفير الذخيرة، وصيانة المعدات، بالإضافة إلى الرواتب الإضافية للجنود النظاميين وقوات الاحتياط، مما انعكس سلبا على قدرة حكومة الاحتلال في تمويل مشاريع مدنية كانت مقررة سلفًا.
وأشار إلى أن العديد من الوزارات المدنية اشتكت من تجميد مشاريعها وحرمانها من الميزانيات اللازمة، فيما تشهد دولة الاحتلال ارتفاعا في مستويات الغضب الشعبي، تُرجم إلى احتجاجات نقابية متصاعدة، خاصة من قطاعات المعلمين والأطباء.
وتعاني خدمات الرعاية الاجتماعية في دولة الاحتلال من تراجع حاد منذ بدء الحرب، حيث لم تعد المؤسسات قادرة على تلبية الطلبات المتزايدة على المساعدات الاقتصادية والخدمات الأساسية.
وبحسب موسى، فإن الأثر الأعمق يتمثل في حالة عدم اليقين الاقتصادي التي خلقتها الحرب، والتي تسببت في تراجع ثقة المستثمرين، وانخفاض وتيرة الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء.