مع استمرار جريمة الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة، والانتهاكات المتواصلة بحق المدنيين من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، يزداد صمت المجتمع الدولي وتراخيه في التدخل الفعلي لوقف هذه الإبادة، في وقتٍ تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية نتيجة الحصار الخانق، وإغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات الإغاثية والدوائية منذ أكثر من شهرين.
ويستمر تقاعس المجتمع الدولي وتواطؤه الصامت مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال عدم ممارسة أي ضغط حقيقي على الاحتلال لوقف العدوان.
ويؤكد خبراء في القانون الدولي أن استمرار الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في توفير الغطاء السياسي والعسكري لدولة الاحتلال، يُعد شراكة واضحة في الجرائم المرتكبة، لا سيما مع عرقلة واشنطن صدور قرارات ملزمة من مجلس الأمن، وتجاهلها تقارير الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية التي تحذر من انهيار شامل في غزة.
وتطرح ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع الأزمات الإنسانية تساؤلات حقيقية حول مدى جدية النظام الدولي في حماية حقوق الإنسان.
التخاذل الدولي
رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي، أكد أن الكارثة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة استمرار العدوان وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق المدنيين، من خلال استهدافهم في منازلهم، وخيام النزوح، ومراكز الإيواء، إلى جانب تشديد الحصار وإغلاق المعابر لليوم الـ64 على التوالي، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وتوسيع العدوان العسكري الوحشي على كامل مناطق القطاع.
وقال عبد العاطي لصحيفة "فلسطين": "التخاذل الدولي يرقى إلى التواطؤ الصريح في جريمة الإبادة، ويكشف عن انهيار منظومة العدالة الدولية، في وقتٍ تُرتكب فيه جرائم ضد الإنسانية على مرأى ومسمع من الجميع".
وأضاف: "هذا التصعيد الخطير تسبب في ارتفاع أعداد الضحايا منذ استئناف العدوان في 18 مارس 2025، حيث ارتقى أكثر من 2,800 شهيد، وأُصيب أكثر من 6,325 آخرين بجروح مختلفة، جراء الاستهداف المتعمد للمدنيين، بما في ذلك بيوت العزاء وخيام النازحين".
وأوضح عبد العاطي أن العدوان المستمر أجبر أكثر من نصف مليون شخص على النزوح القسري مجددًا، ليُصبح أكثر من 90% من سكان القطاع نازحين قسرًا في مناطق لا تتجاوز مساحتها 30% من مساحة القطاع، وتفتقر لأدنى مقومات الحياة والخدمات الصحية والإنسانية، وسط تفشي المجاعة، ونقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية.
وأشار إلى أن الهيئة سجلت وفاة الطفلة جنان صالح سكافي، البالغة من العمر أربعة أشهر، في مستشفى الرنتيسي بمدينة غزة، نتيجة الجفاف وسوء التغذية ونقص الحليب والمكملات الغذائية، لترتفع حصيلة الوفيات الموثقة نتيجة المجاعة إلى 57 حالة، من بينهم 26 طفلًا.
وشدد على أن المنظومة الصحية على وشك الانهيار الكامل، في ظل نفاد الأدوية والمواد الغذائية والوقود، وسط تحذيرات أممية من عواقب لا يمكن تداركها، حيث قدّرت منظمة "اليونيسف" أن نحو 335 ألف طفل دون سن الخامسة مهددون بالموت البطيء، بينما كشفت تقارير أممية عن ارتفاع نسبة الأطفال الذين يتلقون علاجًا من سوء التغذية بنسبة 80% مقارنة بالشهر الماضي.
واعتبر أن هذه الأرقام تعكس الاستهتار الإسرائيلي المطلق بالقانون الدولي الإنساني، وتُظهر عمق الكارثة الإنسانية التي صنعتها آلة العدوان في قطاع غزة.
وأوضح أن كل هذه الجرائم حوّلت قطاع غزة إلى منطقة منكوبة غير صالحة للحياة، تنتشر فيها الفوضى والمجاعة والجريمة، وتسجل فيها ارتفاعات جنونية في أسعار السلع الأساسية، وسط عجز الغالبية الساحقة عن الحصول على الغذاء والدواء.
وذكر أن الجرائم الإسرائيلية الوحشية تأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى القتل الجماعي، وتدمير البنية الاجتماعية، وإرهاب السكان لدفعهم نحو الهجرة القسرية، في إطار مخطط لإعادة تشكيل الجغرافيا والديمغرافيا في القطاع، في مخالفة صريحة وخطيرة للقانون الدولي.
وبيّن أن هناك حالة عجز دولي عن وقف جريمة الإبادة الجماعية، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وشراكة أمريكية في هذه الإبادة، مشددًا على أن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية، والدول الثالثة، وكل أحرار العالم، مطالبون بالتحرك العاجل من أجل وقف الإبادة الجماعية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية قبل فوات الأوان.
ولفت إلى ضرورة تشكيل تحالف إنساني دولي لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتدابير محكمة العدل الدولية، والعمل على محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي وشركائهم أمام المحاكم الدولية، وتوفير الحماية الدولية الفورية للمدنيين في قطاع غزة.