فلسطين أون لاين

تقرير "مساعدات مشروطة بالجوع والنزوح".. خطة أمريكية - إسرائيلية تثير غضبًا دوليًّا

...
عواصم- غزة/ محمد عيد:

تجاوز الرفض الفلسطيني لخطة توزيع المساعدات الأمريكية – الإسرائيلية على المدنيين في غزة، الذين يعيشون "درجة الجوع الشديد" وسط حرب الإبادة الجماعية، إلى تخوفات ورفض من مؤسسات أممية للتعامل مع الخطة التي وُصفت بـ"الخطرة".

وبينما قالت فصائل ومؤسسات أهلية فلسطينية إن الخطة الأمريكية، الخاضعة لإشراف جيش الاحتلال داخل غزة، تقوم على "إذلال وتجويع الفلسطينيين" وإجبارهم على النزوح القسري، عبّرت منظمات الإغاثة الأممية بالفعل عن رفضها لأي خطط تمنح القوة المحتلة (إسرائيل) دوراً في توزيع المساعدات على المدنيين الذين يتضورون جوعاً، جراء الحصار العسكري المشدد على جميع منافذ ومعابر القطاع منذ أكثر من 70 يوماً.

وتداولت أوساط المنظمات الإغاثية والوسائل الإعلامية اقتراحاً بتولي مؤسسة تُدعى "مؤسسة إغاثة غزة" توزيع الغذاء من أربعة "مواقع آمنة"، في تكرار لخطط أعلنتها (إسرائيل) مؤخراً وأثارت انتقادات لاحتمال أن تفاقم فعلياً النزوح بين سكان القطاع.

وجاء هذا التداول بعد مصادقة المجلس الوزاري الأمني المصغّر "الكابينت" خلال اجتماعه الأخير على خطة إسرائيلية-أمريكية مشتركة لاستئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، عبر صندوق دولي وشركات خاصة.

سيطرة عسكرية

وتعليقاً على ذلك، قالت الأمم المتحدة إن الخطة المقدمة لإدخال المساعدات إلى غزة "مصمّمة لبسط السيطرة والحد من الإمدادات حتى آخر سعرة حرارية وآخر حبة دقيق".

وأكد نائب الناطق الإعلامي الأممي، فرحان حق، خلال مؤتمر صحفي، أن الأمم المتحدة لن تشارك في أي ترتيب يفشل في الالتزام بالمبادئ الإنسانية، وهي: الإنسانية، والحيادية، والاستقلال.

وأوضح المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، ينس ليرك، أن وكالته "لن تشارك في هذه الخطة"، مضيفاً: "لا يوجد مبرر لإنشاء نظام يتعارض مع المبادئ الأساسية لأي منظمة إنسانية مبدئية".

وقالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في القطاع، إلى جانب الدمار الواسع والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية للمياه والكهرباء، "يُعرّض السكان المدنيين، وخاصة الفئات الضعيفة مثل الأطفال والنساء وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، لخطر المجاعة والمرض والموت الوشيك".

ورأى المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، جيمس إلدر، أن "مشروع الخطة الذي قدمته (إسرائيل) إلى مجتمع الإغاثة قد يُفاقم معاناة الأطفال والأسر في غزة، وينطبق ذلك أيضاً على المؤسسة الجديدة التي يُعتقد أنها جزء من نفس الخطة الموسّعة".

وأوضح إلدر، الذي شارك في مهام عدة مرتبطة بغزة منذ حرب الإبادة الإسرائيلية في أكتوبر 2023، أن "استخدام المساعدات الإنسانية طُعْماً لإجبار الناس على النزوح، خصوصاً من الشمال إلى الجنوب، يضعهم أمام خيار مستحيل: النزوح أو الموت"، مشدداً على أن الهدف الإسرائيلي هو تعزيز السيطرة على مقومات الحياة الأساسية "كأداة ضغط".

وبدلاً من ذلك، دعا إلدر سلطات الاحتلال إلى رفع الحصار المفروض منذ أكثر من شهرين على دخول المساعدات إلى القطاع، والذي تسبب في تفشي الجوع على نطاق واسع، ويثير مخاوف من ارتفاع الوفيات بسبب سوء التغذية.

من جهته، حذّر الاتحاد الأوروبي من أن استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط في النزاعات يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، داعياً (إسرائيل) إلى رفع الحصار عن قطاع غزة دون تأخير.

وأوضح الاتحاد، في تصريح مقتضب، أن القطاع يشهد أطول فترة إغلاق للمساعدات منذ أكثر من شهرين، مما فاقم من أزمة الأمن الغذائي والمائي، في ظل نفاد مخزون الغذاء وافتقار معظم الأسر لمياه شرب آمنة.

لا بديل عن "أونروا"

في المقابل، أكدت مديرة الاتصالات في وكالة "أونروا"، جولييت طعمة، أنه من المستحيل "استبدال أونروا في غزة، فهي أكبر منظمة إنسانية في القطاع، ولديها أكبر انتشار، ويعمل فيها أكثر من عشرة آلاف موظف على إيصال ما تبقى من الإمدادات وإدارة ملاجئ العائلات النازحة".

وقالت طعمة: "إن لدى أونروا نظاماً إنسانياً قائماً، وإذا توفرت الإرادة السياسية لجعله يعمل مجدداً، فإن الأونروا قادرة على إدارة المساعدات بنفسها دون تحويل عن غرضها الأساسي".

وتتهم الأمم المتحدة وممثلون فلسطينيون في محكمة العدل الدولية، سلطات الاحتلال بانتهاك القانون الدولي باستخدام المساعدات كسلاح حرب، ورفض السماح بدخولها إلى غزة.

تهجير الغزيين

من جهته، قال رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، إن الخطة المشتركة الأمريكية – الإسرائيلية "تستغل المجاعة لتحقيق أهداف عسكرية"، مشيراً إلى أنها تشكل "جريمة قانونية" تتنافى مع مبادئ العمل الإنساني، وتقوم على "عسكرة المساعدات" ودفع السكان قسراً إلى النزوح، خاصة من شمال القطاع نحو مدينة رفح جنوباً.

ووفق ما يُتداول، فإن سلطات الاحتلال ستسمح يومياً بإدخال 60 شاحنة مساعدات، وهو ما اعتبره الشوا "إمعاناً في التجويع" مقارنة بالاحتياجات الهائلة لسكان القطاع المنكوب.

وقارن الشوا بين هذا العدد والـ600 شاحنة التي كانت تدخل يومياً خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، قبل أن يتنصل الاحتلال منه ويستأنف عدوانه.

وانتقد صمت المجتمع الدولي وتخاذله أمام حالة الجوع الشديد والأوضاع الكارثية، داعياً إلى تحرك عاجل لإدخال المساعدات والبضائع التجارية لإنقاذ ما يزيد عن 2.3 مليون إنسان محاصرين براً وبحراً وجواً.

خطة عسكرية بغطاء إنساني

في السياق ذاته، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس، د. هيثم عمران، أن الخطة المطروحة "إسرائيلية الأهداف"، رغم ما تحمله من غلاف إنساني، مشيراً إلى أنها تأتي ضمن "الضغط الإسرائيلي على المدنيين كجزء من مخطط واسع لتهجيرهم".

وأوضح عمران، في مقطع مصوّر عبر صفحته على "فيسبوك"، أن الخطة توظف المساعدات كأداة سياسية لإجبار المقاومة على التنازل عن شروطها، مشدداً على أن "إسرائيل" تسعى، بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، إلى فرض التهجير القسري عبر آلية توزيع المساعدات.

وأضاف أن وجود مئات نقاط التوزيع التابعة للأمم المتحدة في غزة يُثبت أن الهدف ليس إنسانياً، متسائلاً: "لماذا لا تتوقف الحرب مع توزيع المساعدات؟"، وأجاب: "الأصل أن توزع المساعدات بعد وقف إطلاق النار، لكن إدارة بايدن تحاول تجميل صورة (إسرائيل) دولياً، وتفادي الضغوط حول جريمة التجويع".

وأشار إلى أن إنشاء "مؤسسة إغاثة غزة" يكرّس مبدأ "المساعدات مقابل استمرار الحرب"، و"يجعل الإغاثة ورقة تفاوض وليست حقاً إنسانياً".

وختم عمران بالإشارة إلى وجود "تفاصيل غير معلنة" في الخطة تجعل مؤسسات الأمم المتحدة ترفضها، لافتاً إلى أن الخلافات الظاهرة بين نتنياهو وترامب لا تشمل الحرب في غزة، حيث يحظى الاحتلال بدعم أميركي غير مشروط منذ البداية.