بالرغم من ادعاءات الاحتلال بالسيطرة الكاملة على محافظة رفح بعد نزوح أهالي المدينة قسرا ومحاصرة مداخلها بهدف إطباق الخناق عليها، تفاجئ عمليات كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس قادة الاحتلال وتربك حساباتهم في أصعب ميدان قتالي في قطاع غزة، بالنظر لحجم القوة الإسرائيلية الموجودة في المدينة سواء على البر أو من خلال المراقبة الجوية المكثفة، ما يصعب تنفيذ كمائن.
وأكدت كتائب القسام في بلاغ عسكري، تنفيذ عملية مركبة في شارع "الطيران" بحي تلك السلطان غرب مدينة رفح، وذلك عصر الجمعة الموافق 27 إبريل/ نيسان 2025، حيث تمكن المقاومون من استدراج قوة إسرائيلية مؤللة قوامها 4 جيبات عسكرية من نوع همر، وشاحنة عسكرية من نوع "أموليسيا" لكمين محكم.
ووفق ما جاء بالبيان، استهدف المقاومون الجيبات بعدد من عبوات الشواظ والعمل الفدائي، وبعدها تقدم عدد من المقاومين صوب من تبقى من جنود الاحتلال واشتبكوا معهم من المسافة صفر وأوقعوهم بين قتيل وجريح.
وقبل بيان القسام، تحدثت وسائل إعلام عبرية عن وقوع حدثين أمنيين برفح، وهبوط مروحيات عسكرية لإخلاء المصابين، وكانت مصادر إسرائيلية قد تحدثت عن مقتل جندي وإصابة 5 جنود إسرائيليين، جروح أحدهم خطيرة، في حدث أمني جنوبي غزة، ، بينما أكدت وسائل إعلام عبرية، إجلاء 4 جنود وضباط مصابين من قطاع غزة 3 منهم في حالة خطيرة دون الإفصاح عن تفاصيل الإصابات.
وحسب وسائل إعلام عبرية، فقد قتل جندي إسرائيلي خلال معارك في حي تل السلطان في رفح، من دون الكشف عن الظروف التي قتل فيها، بينما أكدت مواقع إخبارية عبرية هبوط مروحية عسكرية تنقل جنودا مصابين في مستشفى إيخيلوف بـ(تل أبيب).
وفي 13 إبريل/ نيسان نشرت القسام أن مقاوميها تمكنوا من تفجير منزل مفخخ مسبقًا في قوة إسرائيلية خاصة تسللت إلى منطقة أبور الروس شرق المدينة، وأقعوهم بين قتيل وجريح، فيما أعلنت سرايا القدس قصف قوات وجنود جيش الاحتلال بقذائف الهاون عيار (60 ملم) في منطقة موراج.
رسالة تحدٍ
بدوره، رأى الكاتب في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة، أن استهداف قوة مؤللة كما ذكرت كتائب القسام، يؤكد تصاعد وتيرة فعل المقاومة بغزة على الرغم من الادعاءات بالسيطرة الإسرائيلية الكاملة على رفح واستمرار التوغل، لافتا، إلى أن استهداف القوة المكونة من أربع جيبات هامر وشاحنة عسكرية له دلالات عديدة أولها أنها رسالة تحدي ووجود للمقاومة.
وقال أبو زبيدة لصحيفة "فلسطين": إن" العملية تبعث رسالة واضحة للاحتلال، أن كتائب القسام لا زالت حاضرة وقادرة على توجيه ضربات موجعة في مناطق يفترض أنها تحت سيطرة الاحتلال الأمنية، خاصة بالشارع الذي جرى فيه استهداف قوة الاحتلال والمعروف باسم شارع "الطيران" ويقع جنوب غرب حي تل السلطان، وهو من الأحياء التي قام الاحتلال بتمشيطها".
ويعتقد أن كمين رفح يدلل على سعي المقاومة لإحباط أهداف الحرب المعلنة، فاستهداف الآليات يؤدي لإرباك حسابات الاحتلال وإفشال مخططاته، سواء ما يتعلق بالقضاء على المقاومة وفرض وقائع جديدة على الأرض.
كذلك تسهم هذه العمليات، وفق أبو زبيدة، برفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني وتعزيز ثقته بالمقاومة، بأنها ما زالت قادرة على إيقاع الخسائر بالاحتلال والتكيف مع طبيعة الميدان الذي يحاول الاحتلال أن يضغط به على الأرض.
وأكد أن استهداف الآليات والأفراد يندرج ضمن تكتيكات حربية تستنزف قوات الاحتلال ماديا وبشريا، وهذا الأمر يزيد من كلفة الحرب على الاحتلال ويضغط عليه في قراره السياسي، مشيرا، إلى أن استخدام عبوات العمل الفدائي والاشتباك المستمر مع الاحتلال يدلل أن المقاومة ليست محصورة بتكتيك معين، بل تنوع استخدامها وفق طبيعة الميدان وساحة المعركة.
جسارة وشجاعة
ولفت إلى أن إبلاغ المقاومين عن العملية بعد عودة من خطوط القتال، يعني أنهم تمكنوا من الانسحاب، وهذا يدلل على جسارة وشجاعة كبيرة واستعداد للتضحية وهو عنصر من عناصر القوة لمجموعات المقاومة التي هي على استعداد دائم للاستشهاد بهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف الاحتلال.
وعن تعقيدات الميدان في رفح، رأى أنها تمثل تحديًا للطرفين سواء للاحتلال أو للمقاومة، وبالنسبة للمقاومة وجود الاحتلال وسيطرته وقدرته على المراقبة والاستطلاع بشكل مكثف يزيد من صعوبة التحرك والتخفي وتنفيذ العمليات دون خطورة كشفها أو ملاحقة المقاومين، وقد يكون من الصعب تحديد الأهداف العسكرية بدقة وسط هذه السيطرة الكبيرة من الاحتلال على الأرض والجو برفح، والتي تحد من قدرة المقاومة على الإمداد.
ويعتقد أن ظهور المقاومة برفح بعد إعلان الاحتلال سيطرته عليها، فاجأ القوات المتوغلة، مما يدلل على أن لدى المقاومة قدرة استخباراتية في المتابعة والتمويه والتخفي، وهذا يصعب على أجهزة استخبارات الاحتلال رصد حركتها، لافتا، إلى أن المقاومة تستثمر الطبيعة المعقدة للمباني المدمرة، وكذلك بنية الأنفاق المعدة مسبقا في عملية المفاجأة.
كما رأى أن تنفيذ العمليات من خلال مجموعات صغيرة، يعطيها قدرة على تغيير أساليب العمل والمناورة، ويصعب على الاحتلال توقع خطوات المقاومة المقبلة، بالتالي تخطئ الوحدات العسكرية الإسرائيلية في تقديراتها حول حجم قوة المقاومة في رفح خاصة بعد فترة طويلة من العمليات العسكرية فيها.
ووفق أبو زبيدة، قد يركز الاحتلال وجوده ومراقبته على منطقة معينة وتبادر المقاومة باستهدافه بمنطقة أخرى، مؤكدا، أن استمرار المقاومة برفح يؤكد استعدادها للمبادرة وتوجيه ضربات متلاحقة للاحتلال مما يزيد في صعوبة استيعاب الاحتلال للضربة، وعلى إصرار المقاومة على مواصلة القتال وفق ظروف الميدان وتحديد الوقت المناسب، وأن الوضع لا زال مفتوحا على تطورات كبيرة في قادم الأيام.