ربما هي مفارقةٌ مُرّة أن أقول إن الوضع تفاقم سوءه عن عام 1917م؛ فلم يكن هناك جدارٌ ولا أسيجة أمنية ولا تصاريح ولا بوابات زراعية ولا ملاحقات، نحن نتيجة هذا الوعد نعيش كل صنوف الانتهاكات يوميًّا، نعيش في حرمانٍ لا يطاق، ويا للأسف!، إن وعد بلفور جعل أوضاعنا تتجه نحو الأسوأ باستمرار، لاسيما أن الاحتلال يلاحقنا في كل مكانٍ نذهب إليه".
هذا ما يقوله أشرف شعور مختار "عرب أبو فردة" جنوب قلقيلية الذي يعيش خلف الجدار العنصري، مضيفًا: "في القرن الــ(21) أصبحنا نعيش في سجونٍ كبيرة مع عائلاتنا، نحن نحيا آثار هذا الوعد بكل ما فيها من مآسٍ".
ويتابع حديثه لــ"فلسطين": "من كان يعيش وقت إعلان وعد بلفور عام 1917م ظروفه أفضل بكثيرٍ من حياتنا، بعد مائة عام من إعلان الوعد".
ويتفق مراد اشتيوي منسق مسيرة كفر قدوم الأسبوعية مع مختار قلقيلية حين يقول لــ"فلسطين": "الواقع المرير الذي نعايشه أكثر إيلامًا من الوقت الذي أعلن فيه الوعد، فقد أصبح للدولة اليهودية مستوطنات على أرضنا، وأصبحنا كمن يعمل في حقل أشواك، حيث من جميع الجهات تحاصرنا المستوطنات والبؤر الاستيطانية، إلى درجة أننا اضطررنا إلى استخدام طرقٍ قديمة منذ عهد الانتداب والعهد الأردني، والشعب الفلسطيني مع ويلات هذا الوعد يجب توفير الحماية له".
ويضيف: "في المسيرة الأسبوعية نواجه نحن _المُحتجين الذين نشارك في مسيرة سلمية_ بالرصاص الحي والقنص بهدف القتل، وتستخدم المواد المحرمة دوليًّا: المواد الكيميائية الملونة، وقنابل الغاز السام التي تسبّبت بأمراضٍ لمعظم أهالي القرية في الجهاز التنفسي، إضافة إلى الصدمات النفسية التي يصاب بها الكبار والصغار، ذلك أن هول الاعتداءات والانتهاكات لا يتحملها بنو البشر".
ويتجه المزارع السبعيني عبد الله زيد إلى أرضه خلف الجدار يوميًّا من بوابة (تسوفيم) شمال قلقيلية، يستذكر الماضي بقوله: "حدثني والدي (من مواليد 1900م) كيف استولى اليهود على أرضنا بهذا الوعد، وحين أقيم الجدار حول أرضي عام 2002م أدركت كيف يستولي اليهود على الأرض؛ فبعد تمكينهم بوعد بلفور أصبح لهم "دولة" تهددنا حتى وقتنا الحاضر، ومن يقف على البوابة من الجنود هم أحفاد بلفور اللعين في نظري، فلولا الوعد المشؤوم لما كانوا هؤلاء يرتعون في أرضنا، وما هجرنا من أرضنا في الــ48".
ويبدو الحزن واضحًا في عينيّ الحاج عبد الله، الذي يقول: "بعد وعد بلفور لم يعد لنا أرض ولا حياة، عادةً ما أذهب إلى أرضي وأنا مكسور الجناح، لاسيما حين أخضع للتفتيش أنا ودابتي، وكأنني أعبر إلى دولةٍ أخرى، فــ"الكوشان" الذي بحوزتي الإثبات الوحيد لملكيتي، ولكن في أرض الواقع هي ملكهم، وعلاوةً على ذلك لا يُسمح لي بالدخول إلا بتصريحٍ أمني، ودونه لا أستطيع الوصول".