لم تعد معظم الدول العربية والإسلامية تتكبد عناء الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لا سيما بعد المشكلات الداخلية التي ألّمت بها في الأعوام القليلة الماضية، ولا تزال مستمرة.
وبكل وضوح تراجع مؤشر حضور فلسطين ضمن أجندة العالم العربي والإسلامي للخلف، إثر تبدل أولويات الدول العربية والإسلامية، مما يشكّل ذلك خطراً على القضية الفلسطينية، التي بدأت أولى نكباتها بعد إصدار وعد بلفور قبل مئة عام.
وكان "آرثر جيمس بلفور"، أرسل رسالة بتاريخ 2 نوفمبر 1917، إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يفصح فيها عن تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطنٍ قومي لليهود في فلسطين، وهو ما أُطلق عليه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق".
وتستدعي المتغيرات الراهنة إعادة النظر بالتحركات العربية والدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وما يحدّق بها من خطر في الفترة الراهنة.
لا ترقى للمستوى المطلوب
تقول لطيفة حباشي النائب في البرلمان التونسي: إن "القضية الفلسطينية لم تعد الأهم بالنسبة للدول العربية، خاصة بعد الأزمات والمشكلات الداخلية فيها"، وهذا أمر غير طبيعي يستدعي إعادة النظر في القضية".
وتضيف حباشي خلال اتصالٍ هاتفي مع صحيفة "فلسطين": "أرى أن الدول العربية مهما كان ما يشغلها فذلك يجب ألا يبعدها عن القضية الفلسطينية؛ خاصة في ظل ما يعانيه الشعب من حصارٍ يحرمه من أبسط مقومات الحياة الكريمة".
وترى أن التاريخ يعيد نفسه فيما يتعلق بوضع الانقسام والتشرذم العربي الحاصل في الوقت الراهن، مشيرةً إلى أن الوحدة والتوافق من أهم الطرق لحل القضية الفلسطينية "لأن الوحدة تكسب الشعوب القوة الحضارية التي نستطيع من خلالها مواجهة الاحتلال الاسرائيلي".
وحول التحركات العربية لتصحيح خطأ "بلفور" التاريخي، أشارت النائب التونسية، إلى وجود محاولات في الساحة العربية، لكنها لا ترقى للمستوى المطلوب.
وأوضحت أن هذه المحاولات ينقصها التنسيق والزخم الذي يجعلها ناجعة، معتبرة التحركات الجارية تأتي في إطار "التحفيز" فقط.
وأكدت على ضرورة تفعيل القضية الفلسطينية في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لافتةً إلى ضرورة تطوير التحركات البرلمانية ضمن إطار عمل مؤسسي وشراكات.
وقالت "نستطيع في المغرب العربي أن نؤسس نواة البرلمانيين، وتفعيل القضية الفلسطينية من خلال البرلمان الافريقي من جهة، والاستفادة من علاقتها في البرلمان الأوروبي".
وطالبت حباشي، الدول العربية بإنجاز الانتقال الحضاري الديمقراطي في العالم العربي، من أجل مساعدة القضية الفلسطينية.
إدراك الوعي
ويستمر مشروع "بلفور" في التسبب بنكباتٍ متزايدة للشعب الفلسطيني، وذلك في ظل صمتٍ عربي ودولي مُطبق.
ويعزي مدير عام اللجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية بالداخل المحتل عبد عنتاوي حالة الصمت تلك إلى عدم إدراك الدول العربية والاسلامية الوعي الكافي على مستوى العالم، وعدم الاستعداد الكافي عربياً وفلسطينياً لمواجهة الوعد.
وأوضح عنتاوي خلال حديثه مع "فلسطين"، أن الدور العربي ساهم بشكلٍ غير مباشر من خلال صمته وعدم إبداء أي ردة فعلٍ على الوعد في إبقائه قائماً على الأرض"، وفق قوله.
وقال "بعد مرور مئة عام على الوعد المشؤوم يجب إعادة قراءة هذا الحدث المؤسس للقضية الفلسطينية بطريقة نقدية"؛ محذراً من أن القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها التاريخية والمفصلية في الوقت الراهن.
واستهجن عنتاوي تحالف الدول العربية والإسلامية مع (اسرائيل) والذي تجاوز التطبيع، خاصة دول الخليج، معتبراً إياه بمثابة "تصفية ما تبقى من الحقوق الفلسطينية بعد مرور مئة عام".
مواجهة التزييف
وعلى صعيد مواجهة العرب لتزييف التاريخ المتعلق بالوعد؛ أكد على ضرورة الاعتماد على الذات في صناعة التاريخ، أي بمعنى "تفعيل الإرادة الذاتية بمعزلٍ عن التحالفات الدولية والاقليمية وخلافات الدول العربية الداخلية"، حسب تفسيره.
كما دعا إلى تفعيل الإرادة الفلسطينية على كل المستويات، وأبرزها تجسيد وحدة وطنية كفاحية حقيقية وليست "مصلحية"- أي قائمة على المصالح، ترتكز بالدرجة الأولى على نهج المقاومة.
ومن وجهة نظر عنتاوي أنه لا بد من قطع العلاقة المصلحية مع دول الخليج، لأنها باتت تشكل أداة لضرب القضية الفلسطينية وليس حلها.
وشدد على أهمية أن ينتفض الشعب الفلسطيني على الواقع الحالي، وذلك في إطار السعي إلى مأسسة نهج مختلف لانتزاع حقوقه على أساس المقاومة المنهجية العلمية، وفق عنتاوي.
التحرك دولياً
وتلعب الجاليات العربية دوراً في دعم القضية الفلسطينية، من أجل إيصال معاناة الشعب الفلسطيني لدول العالم الخارجي.
رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا د. حافظ الكرمي كشف لــ "فلسطين" عن تنفيذ حملةٍ ضخمة للتعريف بخطورة الوعد الذي جرى توقيعه قبل 100 عام، على الشعب الفلسطيني لا سيما أن آثاره مستمرة.
وأوضح الكرمي خلال اتصال هاتفي مع "فلسطين"، أن الحملة تتضمن مطالبة الحكومة البريطانية بضرورة الاعتذار عن الوعد، والقيام بخطوات ملموسة لتعويض ضحاياه، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
ومن المقرر أن تبدأ الحملة في الرابع من نوفمبر المقبل، من خلال تنظيم مظاهرات، ونشاطات سياسية وتثقيفية لتوضيح خطورة الوعد وآثاره على الشعب الفلسطيني.
وأبدى أسفه الشديد إزاء صمت السفارات العربية في الخارج وعدم التحرك بشأن القضية الفلسطينية، مطالباً إياها بضرورة الضغط على جميع دول العالم وخاصة بريطانيا للاعتذار عن الوعد ودعمها سياسياً وإعلامياً.
كما دعا إلى ضرورة القيام بحملة دبلوماسية بإجماع عربي للضغط على بريطانيا للاعتذار عن وعد بلفور "المشؤوم"، خاصة في ظل تزايد الوعي لدى المجتمع البريطاني بحجم الجريمة التي ارتكبتها حكومته بحق الشعب الفلسطيني.