فلسطين أون لاين

​تمسك الشباب بفلسطين يزداد في المئوية الأولى لـ"بلفور"

...
غزة - أدهم الشريف

حين منحت بريطانيا اليهود وعد "بلفور" لإقامة وطن لهم في فلسطين قبل مائة عام من الآن، لم يكن أحمد جرادة (18 عامًا)، على قيد الحياة، لكنه يبدو ملمًا بما تعرضت له الأراضي الفلسطينية في عهد الانتداب وما تلاه من احتلال إسرائيلي مستمر لمناطق واسعة منها.

ويؤمن جرادة، الذي يدرس تخصص هندسة في جامعة الأزهر، جنوبي مدينة غزة، أن "فلسطين كلها لنا (للفلسطينيين)، وليس لليهود أي حق فيها".

في عام 1948، وإبان النكبة الفلسطينية، رحل أجداد أحمد من مدينة بئر السبع في النقب المحتل إلى قطاع غزة كما مئات آلاف اللاجئين.

ويعرف الشاب صاحب القامة الطويلة، واللحية الخفيفة، أن وعد بلفور أسس للنكبة وهجرة أصحاب الأرض منها.

وكانت نسبة اليهود حين صدر الوعد في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 1917، لا تتجاوز 5 بالمئة، لكن هذه النسبة ارتفعت مع تدفق اليهود إلى فلسطين، بتواطؤ كامل من بريطانيا التي وفرت لهم أماكن للتدريب وأسلحة.

وعلى اثر ذلك، شكلت "العصابات الصهيونية" التي كان سببًا رئيسيًا في نكبة الـ48.

ووعد "بلفور"، هو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور، إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وأرسلت الرسالة قبل شهر من احتلال الجيش البريطاني لفلسطين، وبدء الانتداب عليها قبل بدء الاحتلال الإسرائيلي.

ويطلق المناصرون للقضية الفلسطينية عبارة "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" لوصفهم لهذا الوعد.

وجود يهودي

وقال جرادة لصحيفة "فلسطين": "إن وعد (بلفور) أسس لوجود اليهود على أراضينا، فاحتلونا وقتلوا منا، وهجروا أجدادنا من بيوتهم".

"اليهود ليسوا أصحاب حق بفلسطين، ولو حتى بشبر واحدٍ منها".. أضاف جرادة ، وهو يلوح بيده.

هي ذات نظرة الشاب أحمد الأسطل، من سكان مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، الرافضة لوعد "بلفور" ولا تؤمن إلا بأن "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" كما يقول.

وباتت هذه القناعة راسخة لدى الأسطل، الذي قتل جيش الاحتلال 60 من رجال ونساء وأطفال عائلته خلال العدوان العسكري الإسرائيلي الموسع على غزة صيف سنة 2014.

وقال الأسطل لصحيفة "فلسطين": "أبناؤنا وأجدادنا علمونا التاريخ، وأخبرونا أن وعد بلفور باطل، وليس لليهود أي حق بفلسطين".

أضاف الأسطل: "اليهود احتلوا أرضنا بقوة السلاح، ولن يخرجهم منها إلا القوة، وبريطانيا لن تأتي لنا بأي حق بعد أن تواطأت مع اليهود".

وكانت عصابات يهودية شكلت في الأراضي الفلسطينية في عهد الانتداب، وكانت تتلقى تدريبات في مقرات ومعسكرات الجيش البريطاني، ومن ثم نفذت هذه العصابات مجازر دموية ضد الفلسطينيين ما زالت تفاصيلها حاضرة حتى يومنا هذا.

ويبدي الأسطل (20 عامًا) الطالب في قسم محاسبة بالجامعة الإسلامية "مستوى ثالث"، استعداده للمشاركة في أي فعالية، للتنديد بالوعد ولمطالبة بريطانيا بالاعتذار عنه.

وهذا ما يريده خالد مفلح مدير العلاقات العامة في جامعة النجاح بمدينة بنابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة.

وقال مفلح: هذا الوعد صدر لصالح لليهود قبل مائة عام من الآن، اعتقادًا من البريطانيين بأنه سيمنح لـ"شعب بلا أرض لأرض بلا شعب".

"لكن هذا الوعد كان نقطة مفصلية ليس في تاريخ القضية الفلسطينية فحسب، بل في الشرق الأوسط كله وأيضًا في الصراع العربي الإسرائيلي" أضاف مفلح لـ"فلسطين".

وأكد على ضرورة استمرار جميع أبناء الشعب من أجل مواجهة هذا الوعد وإنكاره في المئوية الأولى، والسعي لتحرير أرضنا من الاحتلال.

ويرى عاهد علوان الذي يعمل صحفيًا، أن ذكرى "الوعد المشؤوم" من الذكريات الأليمة التي تحل على الشعب الفلسطيني، وكما هي سايكس بيكو للوطن العربي وعد بلفور للشعب الفلسطيني.

وسايكس بيكو لعام 1916، كانت اتفاقا وتفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى، بحسب موسوعة "ويكبيديا".

محاسبة بريطانيا

وقال علوان (26 عامًا) ويسكن في حي التفاح، شرقي مدينة غزة، أنه "بعد مائة عام من الوعد المشؤوم لابد لنا من أن نحاسب صاحب الوعد والدولة التابع لها، ولابد من رفع قضايا دولية على الحكومة البريطانية لتقر بالخطأ التاريخي الذي ارتكبه بلفور وأن تعتذر من الشعب الفلسطيني وترفع الغطاء عن دولة الاحتلال وتعمل على ارجاع الحق لأهله".

ويرى أنس العربي (18 عامًا)، أن وعد بلفور "ظالم، ولا يمت للواقع بأي صلة، إذ منح اليهود شيئًا لا يملكه. وهو مرفض في كل الأحوال، لأن فلسطين أرضنا ولنا وليس لأحد سوانا".

والعربي طالب في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية، يبدو على مستوى عالٍ من الثقافة التي تؤهله للحديث حول وعد بلفور والأسباب التي دفعت بريطانيا لإصداره، رغم أن عمره لا يتجاوز (18 عامًا).

وأصبح العربي ملمًا بذلك بفعل محاولات نشر الثقافة التاريخية داخل أسرته، والتي يرى من الضرورة توريثها للأجيال القادمة.

أما الصحفي أحمد جلال، من سكان مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، فيقول: "مع الذكرى المئوية لوعد بلفور يسعى العالم لترسيخ النكبة الفلسطيني واقعًا عبر التأكيد على الحقوق الإسرائيلية المزعومة".

ويرى جلال أن العالم يبدي دعمه للوعد بمساندة (إسرائيل) واعتبارها الدولة التي تقع تحت الظلم والقهر، ولذلك فهو لن يتراجع أبدًا عن ذلك ويهدف إلى مواصلة تقسيم العالم العربي كما أن تنكره للحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية أكبر دليل على ذلك.

ويدرك جلال، في الثلاثينات من عمره، تمامًا أن القضية الفلسطينية بحاجة إلى منطق القوة أكثر من الاستجداء للحصول على الحقوق.