في خطوة وُصفت بأنها تصعيد خطير ضد الحريات العامة والمعارضة السياسية، أصدرت محكمة تونسية أحكاماً مشددة بالسجن بحق عدد من الشخصيات المعارضة والناشطين ورجال الأعمال، وصلت في بعضها إلى 66 عاماً، وذلك فيما بات يُعرف بـ"قضية التآمر على أمن الدولة".
وتشمل القضية، التي تُعد من بين أكثر الملفات إثارة للجدل منذ سنوات، أربعين متهماً، من بينهم سياسيون بارزون، ومحامون، ورجال إعلام، وشخصيات عامة. وقد غادر أكثر من نصف المتهمين البلاد منذ توجيه التهم إليهم، في حين لا يزال آخرون، من بينهم غازي الشواشي، وعصام الشابي، وجوهر بن مبارك، وعبد الحميد الجلاصي، ورضا بالحاج، وخيام التركي، رهن الإيقاف منذ اعتقالهم في العام 2023.
مطالبات بالحرية
وقبيل النطق بالأحكام يوم الجمعة، تم إخلاء قاعة المحكمة، وسط أجواء مشحونة داخل أروقة قصر العدالة بالعاصمة. واحتشد عشرات المحامين خارج القاعة في وقفة احتجاجية، رفعوا خلالها شعارات تطالب بالحرية، واستقلال القضاء، واحترام الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة.
وقال المحامي أحمد الصواب في تصريح للصحافيين عقب صدور الأحكام: "لم أشهد طوال مسيرتي المهنية محاكمة على هذا النحو. ما جرى اليوم وصمة عار، والأحكام كانت جاهزة مسبقاً. إنها محاكمة سياسية بامتياز".
وشهد محيط المحكمة أيضاً تجمعات لعدد من النشطاء وأفراد عائلات المتهمين، رددوا خلالها هتافات تندد بما وصفوه بـ"المهزلة القضائية"، ورفعوا لافتات تطالب بالإفراج عن المعتقلين، من بينها: "لا لقضاء التعليمات"، و"أطلقوا سراح السجناء".
في السياق ذاته، اعتبر زعيم حزب "العمال" المعارض، حمة الهمامي، أن ما يحدث يعكس "حالة من الانغلاق السياسي"، مضيفاً: "قضية التآمر مجرد غطاء لقمع الأصوات الحرة. النظام الحالي لم يعد لديه ما يقدمه سوى مزيد من القبضة الأمنية".
وتعود وقائع القضية إلى حملة اعتقالات موسعة شنتها السلطات في مطلع عام 2023، طالت عدداً من معارضي الرئيس قيس سعيّد، ووجّهت إليهم تهماً ثقيلة، من بينها "تكوين وفاق إرهابي"، و"محاولة الانقلاب على الحكم"، و"التآمر على أمن الدولة"، بالإضافة إلى شبهات متعلقة بالفساد المالي.
وتُضاف هذه الأحكام إلى سلسلة من الإجراءات التي يعتبرها مراقبون ضرباً لركائز الديمقراطية التي تشكلت بعد الثورة التونسية عام 2011، وسط تنامي المخاوف من تراجع البلاد نحو الحكم الفردي وتضييق الخناق على الحريات العامة والإعلام.