فلسطين أون لاين

حربٌ على المعرفة.. الاحتلال يستهدف مدارس اللاجئين في القدس المحتلَّة

حربٌ على المعرفة.. الاحتلال يستهدف مدارس اللاجئين في القدس المحتلَّة
حربٌ على المعرفة.. الاحتلال يستهدف مدارس اللاجئين في القدس المحتلَّة
فلسطين أون لاين

في تحدٍ صارخ للمواثيق الدولية، وعلى رأسها المادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فيما يخص حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في التعليم بما يتماشى مع معتقداتهم، قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق ست مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مدينة القدس المحتلة، ابتداءً من الثامن من مايو/ أيار القادم، في خطوة تهدف إلى تقويض العملية التعليمية وطمس الهوية الوطنية الفلسطينية.

يأتي هذا القرار في إطار سياسات إسرائيلية ممنهجة تستهدف التعليم في المدينة منذ احتلالها عام 1967، حيث لم تتوقف محاولات تشويه المناهج الفلسطينية، ومنع تطوير البنية التحتية التعليمية، وإغراء الطلبة بترك التعليم مقابل دخول سوق العمل، وكل ذلك في سبيل خلق جيل مفكك ومنفصل عن هويته الوطنية والدينية.

ويُعقّد الوضع التعليمي في القدس تعدد المرجعيات الإدارية بين السلطات الفلسطينية والإسرائيلية، ما أدى إلى تشتيت المدارس بين مناهج ومظلات مختلفة. هذا التداخل يسمح للاحتلال بالتحكم في العملية التعليمية وفرض قيود تخدم سياساته الاستعمارية.

سياسة مبرمجة

ويؤكد رئيس مركز القدس الدولي، حسن خاطر، أن سلطات الاحتلال تتبنى سياسة "مُبرمجة ومقصودة" لضرب قطاع التعليم في القدس.

ويقول خاطر لـ "فلسطين أون لاين": "منذ العام 2008، ونحن نوثق في تقاريرنا كيف أن التعليم في المدينة المقدسة مهدد بالانهيار نتيجة ممارسات الاحتلال، من تضييق على المدارس والمعلمين إلى إهمال البنية التحتية وغياب الصفوف الدراسية".

ويضيف: إن نسب التسرب الدراسي في القدس هي الأعلى مقارنة بباقي المناطق الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الاحتلال يعزز هذا التوجه من خلال تقليل عدد المدارس والمعلمين، وتحويل الطلاب إلى أيدٍ عاملة دون تأهيل علمي أو أكاديمي.

ويوضح أن بعض المدارس أصبحت موزعة على عدة مبانٍ متفرقة، ما يعيق استقرار العملية التعليمية ويؤدي إلى تراجع نوعية التعليم. كما أن الاحتلال يرفض منح تراخيص للبناء أو الترميم بحجة "عدم توفر الشروط"، بينما الهدف الحقيقي هو تهويد المدينة وتهجير سكانها الأصليين.

مصير غامض

وفقًا لرئيس لجنة أولياء الأمور في القدس، رمضان طه، فإن مدارس "الأونروا" المستهدفة تشمل أربع مدارس داخل مخيم شعفاط، تغطي المرحلتين الابتدائية والأساسية، إلى جانب المعهد الوطني التابع للوكالة، ومدرسة أخرى داخل البلدة القديمة.

ويتلقى أكثر من 950 طالبًا تعليمهم في هذه المدارس، بحسب ما قاله طه لمراسل فلسطين، الذي أكد أن هؤلاء الطلاب يواجهون الآن خطر فقدان عامهم الدراسي ومصيرًا مجهولًا.

ويضيف طه: إن قرار الإغلاق نابع من قانون أقرّه الكنيست الإسرائيلي العام الماضي، يمنع "الأونروا" من ممارسة أي نشاط داخل ما تسميه (إسرائيل) بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة، التي تعتبرها جزءًا من سيادتها المزعومة، رغم الوضع القانوني الدولي الواضح بأنها مدينة تحت الاحتلال.

وقد رافقت قوة من شرطة الاحتلال ممثلين عن وزارة المعارف الإسرائيلية في اقتحام هذه المدارس في 9 أبريل/نيسان 2024، حيث أبلغوا إداراتها بأوامر إغلاق خلال 30 يومًا، في خطوة تعكس استمرار الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة التي تستهدف وجود "الأونروا" ودورها في دعم اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في مجال التعليم.

وبين أن الأهالي ولجان التعليم في القدس، ورغم قسوة القرار، سيتخذون كافة الوسائل القانونية والميدانية للتصدي لهذا الإجراء، والدفاع عن حق أبنائهم في التعليم، وحقهم في البقاء في مدينتهم دون خضوع أو استسلام.

ومن بين الحالات اللافتة التي شهدتها القدس مؤخرًا، إغلاق مدرسة اليتيم العربي الصناعية، الوحيدة التي تقدم تعليمًا مهنيًا وفق النظام الفلسطيني في المدينة. وقد تم إغلاقها في يناير الماضي، وسط مخاوف من ضم أرضها لصالح المشاريع الاستيطانية.

وتأسست المدرسة عام 1965 في بيت حنينا على يد جمعية اليتيم العربي الأردنية، وافتتحها الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال.

وكانت تُعد منارة تعليمية فريدة في القدس، لكن الاحتلال لم يرحمها من سياساته الهادفة إلى طمس معالم الوجود الفلسطيني.

تداعيات خطيرة

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي إسماعيل المسلماني: إن قرار الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق المدارس الست التابعة لـ"الأونروا" في مدينة القدس، يحمل أبعادًا سياسية واجتماعية وتعليمية خطيرة، ويعكس مخططًا استراتيجيًا يهدف إلى تغيير الواقع التعليمي والديمغرافي في المدينة.

وأوضح المسلماني، لـ"فلسطين أون لاين"، أن القرار يُهدد مستقبل مئات الطلبة الفلسطينيين الذين يعتمدون على مدارس "الأونروا" لتلقي التعليم، ما من شأنه تعميق معاناتهم والإضرار بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني في المدينة المقدسة.

وأشار إلى أن هذا الإغلاق لا يقتصر على البعد التعليمي فقط، بل يمتد ليحمل دلالات سياسية واضحة، إذ يمثل محاولة إسرائيلية لتقويض دور الوكالة الأممية في القدس، كجزء من مساعٍ أوسع لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وسحب صفة "لاجئ"، في خرق فاضح للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تضمن حماية مؤسسات "الأونروا" وحق التعليم للأطفال الفلسطينيين.

ولفت المسلماني إلى أن القرار يندرج ضمن خطة إسرائيلية تهدف إلى فرض السيطرة على التعليم، من خلال إحلال المناهج الإسرائيلية مكان المنهاج الفلسطيني في مدارس القدس، ما يسهم في تغيير الهوية الثقافية والوطنية للطلبة.

وقال: "إضعاف الهوية الفلسطينية من خلال تقليص دور الأونروا يهدف إلى تقليل الوعي الوطني بين الأجيال الصاعدة، في إطار سياسة كيّ الوعي، بالإضافة إلى تعزيز الاستيطان، وذلك ضمن مشروع أوسع لتهويد القدس الشرقية وتقليص الوجود الفلسطيني فيها".

وأمضى قائلًا: إلى جانب تقويض دور "الأونروا"، ترى (إسرائيل) في الوكالة الأممية رمزًا لاستمرار قضية اللاجئين، وتسعى إلى إنهاء وجودها تدريجيًا، وإعادة تشكيل الواقع التعليمي عبر إدخال الطلبة في منظومة التعليم الإسرائيلية، وتقديم حوافز مادية وبنية تحتية لتحفيز الأهالي على نقل أبنائهم.

وحذّر المسلماني من تداعيات القرار، مشيرًا إلى إمكانية تصاعد الاحتجاجات في القدس، وارتفاع حدّة التوترات، إلى جانب احتمالات مواجهة سلطات الاحتلال لموجة من الانتقادات الدولية، خاصة في ظل الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي.

كما أشار إلى الأثر بعيد المدى لهذا القرار على وعي وهوية الأجيال الفلسطينية القادمة، حيث يسهم في خلق فجوات تعليمية واجتماعية تؤثر على مجمل المجتمع الفلسطيني.

وفي ختام حديثه، شدد المسلماني على أن استهداف التعليم الفلسطيني في القدس ليس مجرد قرار إداري، بل جزء من مشروع تهويدي متكامل يستهدف هوية المدينة وسكانها ومستقبلها.

موقف دولي

وفي رد فعل دولي، أدانت رابطة العالم الإسلامي قرار الاحتلال، واعتبرته "جزءًا من انتهاكات ممنهجة" بحق مؤسسات الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني.

وجدد الأمين العام للرابطة، محمد بن عبد الكريم العيسى، تضامنه مع "الأونروا"، داعيًا إلى تحرك عالمي منسق لمواجهة ما وصفه بـ"الهمجية الإسرائيلية المستمرة".

وجاء في البيان: "كل ضمير حي حول العالم مطالب اليوم بالتحرك لإيقاف آلة الحرب الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين، وتضرب بعرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية".

ويُذكر أن قرار إغلاق مدارس "الأونروا" في القدس يأتي بعد تصويت الكنيست الإسرائيلي في أكتوبر الماضي على قانون يمنع الوكالة من مزاولة أي نشاط داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وهو ما يُعد إلغاءً فعليًا للاتفاق الموقع عام 1967، الذي سمح بعمل الأونروا في القدس الشرقية باعتبارها أراضي محتلة.

ويُعدّ إغلاق المدارس في مدينة القدس المحتلة، ليس مجرد قرار إداري، بل هو خطوة سياسية عميقة تهدف إلى اقتلاع الهوية الفلسطينية من المدينة، وتفريغها من أي مظهر ثقافي أو إنساني يعبر عن سكانها الأصليين.

اخبار ذات صلة