تخنق جسديهما الآهات، ويتربص بهما "قاتلان" اجتمعا عليهما في مقتبل العمر: الجوع والمرض، دون أفق لمواجهتهما مع استمرار حرب الإبادة الجماعية والحصار منذ 18 شهرًا.
في غرفة صغيرة بالمستشفى، ترقب والدة الطفل الغزي محمد ياسين (أربعة أعوام) أنفاسه، ويهتز بدنها لما آلت إليه حالته الصحية، وقد أطفأت المعاناة ما تبقى من بريق الحياة في عينيها.
تنتفض الأم في وجه الواقع دون جدوى. الجوع والمرض يلازمان طفلها محمد الذي يعاني أصلًا من نقص الأكسجين، ويعد الغذاء عاملًا حاسمًا في نموه وقدرته على المواجهة.
ويمثل نقص الأكسجين عند الأطفال إحدى المشكلات الطبية الحرجة التي قد تؤثر بشكل عميق على نمو الأطفال وتطورهم البدني والعقلي.
تقول الأم لصحيفة "فلسطين": محمد هو ابني البكر. أصيب بنقص في الأكسجين منذ الولادة، وكان والده يحاول بشتى الطرق توفير طعام خاص له، يسلق له الكوسا والبطاطا ويوفر له الطعام، لكن الأمر اختلف بسبب حرب الإبادة الجماعية، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وضعت حرب الإبادة وتداعياتها الأب في رحى ضنك العيش والكفاح بحثًا عن لقمة عيش طفله المريض، وسط تجويع وتعطيش إسرائيلي متعمد للغزيين.
وباتت الحاجة أم الاختراع في حياته، فبدلًا من الغاز صار يبحث عن الحطب، أما الغذاء فينبش عنه كما إبرة في كوم قش.
توضح الأم المكلومة أن الحرب جعلت حبة الكوسا حلمًا لطفلها، والفاكهة إن وُجدت لا تُشترى، لكن الفاجعة كانت باستشهاد زوجها وهو يبحث عن طعام لطفله.
ومنذ ذلك الحين، بدأ محمد يذبل، خسر سبعة كيلوغرامات من وزنه الصغير، وأصبح جسده أكثر هشاشة.
زوجي قال لي مرة: "إن شاء الله بموت وبرتاح... من الذل اللي عشناه"، تهمس الأم بعينين زائغتين، وهي تنظر إلى جسد ابنها الممدد كأوراق الخريف اليابسة.
وحتى إن تمكنت من توفير بعض الخضار مرتفعة الثمن والشحيحة فإنها تواجه انقطاع الكهرباء الذي لا يمكنها من هرس الثمار لطفلها.
وفي الوقت نفسه، فإن العلاج الطبيعي الذي يحتاجه بات صعبًا، فكل جلسة تكلف عشرة شواقل، لا تملكها العائلة، كما تقول.
وفي السرير المجاور يرقد فؤاد حبيب (عامان)، طفل آخر أنهكه الجوع وفاقم نقص الأكسجين الذي أصيب به منذ الولادة معاناته.
خلال فترة وقف إطلاق النار منذ أواخر يناير وحتى بداية مارس، تحسن وزنه قليلًا، وبدأت الابتسامة تطل من وجهه الشاحب. لكن الاحتلال أغلق المعابر مجددًا، وعادت المجاعة لتفتك به من جديد.
بينما تذرف دموعها حزنًا، تقول والدته آمنة حبيب لصحيفة "فلسطين": المجاعة فاقمت وضعه الصحي، وسوء التغذية له أثر كبير في تدهوره.
ولاحظت الوالدة على طفلها أعراض الهزال، حيث بدأت صحته تتراجع منذ بداية حرب الإبادة.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن 52 حالة وفاة بين الأطفال سجلت خلال حرب الإبادة بسبب سوء التغذية.
سوء تغذية حاد
تقول سوزان معروف، أخصائية التغذية العلاجية في مستشفى أصدقاء المريض بغزة: "بعد عودة المجاعة وإغلاق المعابر، ازدادت حالات سوء التغذية بشكل كبير، مما أدى إلى تدهور صحة الأطفال وزيادة الأمراض وقلة المناعة لدى الكثير منهم".
وتشير معروف في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن الأطفال دون سن الخامسة هم الأكثر تضررًا، إلى جانب النساء الحوامل والمرضعات وكبار السن.
وتؤكد أن غياب الغذاء الكافي يؤدي إلى تدهور المناعة، وزيادة احتمالات الوفاة بين الفئات الهشة، "حتى الطفل الذي يعتمد على الرضاعة فقط، إذا كانت أمه تعاني من سوء تغذية، فذلك يعني أنه لن يحصل على العناصر الضرورية لنموه العقلي والجسدي".
وعما إذا استمرت المجاعة، تشير بقلق إلى أن حالات سوء التغذية البسيطة ستتحول إلى حادة، ما يعني مزيدًا من الأمراض... ومزيدًا من الأرواح التي ستخبو بصمت".