يأتي الحراك العالمي بخروج مسيرات شعبية كبيرة في دول عربية وإسلامية وعالمية، أول أمس الاثنين، استكمالًا للتظاهرات الشعبية والنقابية والطلابية المنددة بجرائم الإبادة الجماعية في غزة، والتي انطلقت مع بداية الحرب، في تعبير عن أن القضية الفلسطينية والتضامن مع غزة لم يعدا شأنًا فلسطينيًا أو قوميًّا عربيًا وإسلاميًا فقط، بل أصبحا قضية إنسانية عالمية أممية، يشكّل دعمهما انتصارًا للأخلاق والإنسانية.
وشهدت العديد من العواصم والمدن حول العالم تحركات جماهيرية واسعة، تلبية للإضراب العالمي تضامنًا مع غزة، ورفضًا للعدوان المستمر، وخرجت الجماهير في مسيرات ضخمة، رفعت خلالها شعارات تؤكد دعم الشعب الفلسطيني، والمطالبة بوقف فوري للحرب، في تعبير واضح عن رفض شعوب العالم للإبادة، وتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في وجدان الأمة.
على المستوى العربي، يرى رئيس المركز العربي للتواصل والتضامن، المفكر اللبناني معن بشور، أن لهذه التحركات الشعبية أهمية كبرى، بعد مشاركة الملايين من أبناء الأمة في تظاهرات كبيرة في المغرب واليمن والجزائر وتونس والأردن ولبنان، ويوم صلاة العيد في كل مساجد مصر، حيث خرج المصلّون في تظاهرات تضامنًا مع غزة، معتبرًا ذلك تعبيرًا عن وعي الأمة بجرائم الاحتلال، وشعورها بضرورة التحرك للدفاع عن غزة وفلسطين، ومواجهة العدوان.
قضية عالمية
وقال بشور لصحيفة "فلسطين": "إن العرب على مستوى الشعوب موجودون، لكن على مستوى الأنظمة فهم مقصّرون، أما المظاهرات الدولية فتأتي استكمالًا لمسيرات في أمريكا وسائر دول العالم، وهي دليل على أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية وطنية أو قومية وإسلامية فقط، بل تحوّلت إلى قضية إنسانية عالمية".
وأضاف: "إذا كان المشروع الصهيوني انطلق من العالم ليُقام على أرض فلسطين بدعم دولي، فإن هذه المظاهرات قادرة على تغيير المزاج الدولي، وتهيئة الأجواء لعزل الاحتلال تمهيدًا لسقوطه".
وأشار بشور إلى أن هذه التحركات في دول العالم تُشبه ما شهده العالم قبل انهيار النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وقبل انتصار الثورة الجزائرية في خمسينيات القرن الماضي، والثورة الفيتنامية في سبعينياته.
ويرى أن هذه التحركات تؤكد وحدة الشعوب في قضايا العدالة، وأن البُعد العالمي لقضية فلسطين لا يقل أهمية عن بعدها الوطني.
ولفت إلى أن هذه التحركات انطلقت تحديدًا بعد حرب الإبادة على غزة، ولا تزال تتجدد، ما يعكس وجود شعب مظلوم يطالب بحقه في الحرية والحياة، وهذا يشكّل دعمًا كبيرًا للمقاومة، وانتصارًا للأخلاق والإنسانية، لأن من يتجاهل ما يجري في غزة لا يعادي الشعب الفلسطيني فحسب، بل يعادي الإنسانية ذاتها.
وأضاف أن هذه التحركات الشعبية، تُسهم في الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف ضاغطة، أو سحب السفراء، أو فرض حصار اقتصادي كما يفعل اليمنيون، بالإضافة إلى تحركات دبلوماسية وقضائية ونفطية، تسهم دوليًا في عزل الاحتلال، وتحقيق أهداف عدة، أولها عزله دوليًا، تمهيدًا لمحاصرته في المؤسسات الدولية، وصولًا إلى إسقاطه كما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ورأى أن هناك تحولات مهمة في موازين القوى الإقليمية والدولية، ستنعكس إيجابًا على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الأزمة الداخلية التي يمر بها الاحتلال، إلى جانب أزمات أمريكا السياسية والاقتصادية داخليًا وخارجيًا، وهي الداعم الأكبر له.
رأي ضاغط
بدوره، يقول رئيس التجمع الفلسطيني في إيطاليا، د. محمد حنون: "إن الحراك في شوارع العواصم الأوروبية مستمر منذ خمسة وسبعين أسبوعًا، وعلى مدار ثمانية عشر شهرًا متواصلة، ولم يتوقف في شوارع إيطاليا وأوروبا، وهو حراك دائم، متصاعد، ومتنوّع، لم يكن ليحدث لولا حجم الإجرام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقطاع غزة، ما دفع مختلف فئات المجتمع وشرائحه النقابية للتحرك بأشكال متعددة".
وأضاف حنون لصحيفة "فلسطين" أن أهمية هذا الحراك تنبع من تأثيره في تشكيل رأي عالمي ضاغط على الحكومات الأوروبية، التي تُعد بطبيعتها داعمة للاحتلال بدرجات متفاوتة، كما تسهم هذه التحركات في دعم الشعب الفلسطيني وتعزيز مظلوميته، وفضح الرواية الإسرائيلية.
وتابع: "ما يحدث يوميًا من جرائم تطال كل مكونات الشعب الفلسطيني، من أطفال ونساء، وعمال إغاثة، وصحفيين، ومسعفين، عزّز مظلومية الشعب الفلسطيني، وعرّى الاحتلال والرواية الإسرائيلية والجهات الداعمة لها، وأظهر الاحتلال ككيان فاشيّ بأبشع صوره".
وأشار إلى أن اللوبي الصهيوني ينظر إلى هذه الحراكات بعداء وترقّب، ويحاول ملاحقة الداعمين للقضية الفلسطينية من ممثلي المجتمع المدني، أو الإعلاميين، أو رجال الدين، بالتزامن مع تصاعد موجة مناهضة لجرائم الاحتلال، يشارك فيها نواب وصحفيون في إيطاليا ودول أوروبية أخرى.
وأكد أن القائمين على هذه التظاهرات وحملات المناصرة يتعرضون لتهديدات واعتداءات مباشرة في محاولة لثنيهم عن دعم الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أنه تم إبعاده عن إيطاليا بسبب تصريحاته المناهضة للعدوان، كما تعرض العديد من المتضامنين لاعتداءات مباشرة، وتم إغلاق حسابات جمعيات خيرية داعمة لفلسطين، كما حدث مع الجمعية الخيرية لمناصرة الشعب الفلسطيني في إيطاليا، التي تم تجميد حساباتها البنكية، وكما حدث مع مقررة الأمم المتحدة.
وأوضح أن القضية الفلسطينية تحتل الصدارة على كافة المستويات حول العالم، وهناك تحركات طلابية عالمية ذات أهمية بالغة، إلى جانب حملات المقاطعة التي تشارك فيها تجمعات شبابية ونقابية وجاليات، بدأت تتوسع بشكل ملحوظ.
وتزداد هذه التحركات الشعبية أسبوعًا بعد آخر، ويزداد التفاعل والانخراط فيها من أشخاص يشاركون لأول مرة، لافتًا إلى تظاهرة حضرها أكثر من 150 ألف شخص في روما الأحد الماضي، مع الإعداد لمسيرة كبيرة السبت القادم.