يا لجماله حيًا وميتًا، محياه يشد الناظرين إليه، وابتسامته تحبب فيه من يراه، هو الشهيد القسامي محمد مروان الأغا (22 عامًا)، ذو الهيئة الجميلة والثغر الباسم.
بكاه كل من عرفه، عائلته وجيرانه وأصدقاؤه، وأوجع قلوبهم فقده ورحيله؛ لكن عزاءهم فيه أنه مضى شهيدًا في سبيل الله، على طريق المقاومة والجهاد.
"فإني ذبتُ من فرط اشتياقي، إلى الجبهات للخيل العتاقِ، إلى عزفِ الرصاص يحن قلبي، ويطرب حين يُدعى للتلاقي"، هي كلمات صدح بها الأغا في وصيته التي نشرت كتائب عز الدين القسام جزءًا منها.
والده المكنى "أبا جميل" قبيل توديع نجله وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمانه، توضأ وأسبغ الوضوء، ثم خرج من المنزل مشمّرًا ذراعيه، وكأن شيئًا لم يكن، بهدوئه ووقاره.
يقول "أبو جميل" لـ"فلسطين"، إن عائلته استقبلت خبر استشهاده بترديد "إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، وهم موقنون بتلك الكلمات، رغم أن الخبر كان مفاجئًا وفاجعًا.
ويضيف: "تلقي المصائب بالصبر من صميم ديننا الإسلامي، لذلك احتسبته عند الله شهيدًا ولا أزكيه، ودعوت له بالقبول والرحمة والمغفرة"، مشيرًا إلى أن نجله منذ صغره كان شابًا خلوقًا طيبًا، ومن الطلبة المتفوقين والهادئين.
"التحق محمد وهو في الصف الحادي عشر بمخيمات تاج الوقار وحفظ القرآن الكريم خلال أربعين يومًا"، والحديث لوالد الشهيد الأغا، وخلال دراسته الثانوية العامة، استأذن مني الالتحاق بكتائب القسام، لكنني أمهلته حتى أنهى الثانوية العامة وحصل على معدل امتياز في القسم الشرعي".
وتابع: "التحق بالجامعة الإسلامية لدراسة تخصص الشريعة، وكان من المتفوقين في دراسته، رغم انشغاله بالأعمال الجهادية والتدريب في وحدة الكوماندوز البحرية التابعة لكتائب القسام".
ولفت إلى أنه يوم استشهاده "صلى العصر في مسجد الشهيد عبد الله عزام، ثم انطلق للمنزل وجلس مع جدته لمدة لا تزيد على عشر دقائق، ليأتيه اتصال بأن هناك حدثًا طارئًا وعليك أن تساعد إخوانك، فانطلق مسرعًا، وأنا أنظر إليه، ولا أعلم أن تلك النظرات هي الأخيرة له وهو حي".
وعدد الأغا أبرز صفاته نجله، التي توجت بالابتسامة الدائمة، وحب الخير للناس من حوله، حتى في ظل انشغالاته الدائمة في المقاومة، مضيفًا: "محمد شاب مؤدب وخلوق ولا يحتاج لمن يرشده على الصواب".
وتابع: "كان يمازحنا ويقول أريد الزواج، وهو يعلم أننا نجهز الشقة لأخيه الأكبر وندهن في البيت، وقد حددنا موعدًا لزواجه نهاية شهر نوفمبر، وأنا بدوري أقول له اصبر يا ولدي لننتهي من زواج أخيك ثم يأتي دورك"، مشيرًا إلى أنه زفّ قبل شقيقه إلى الجنة وإلى حور العين بإذن المولى عز وجل.
جهاد وعلم
أما تقى ذات الـ(12 عامًا)، شقيقة الشهيد محمد، صدحت بكلمات أكبر من سنها، وقالت في حديثها لصحيفة "فلسطين": "حزنت عليه لكنني لم أبكِ لرحيله ولم أصرخ، لأنه بإذن الله دخل الجنة، وقد رفع راية الإسلام ومضى شهيدًا في سبيل الله".
واستذكرت تعامله معها، حين كان يأخذها في نزهات ويروي لها القصص والنصائح، قائلة: "رأيته قبل الحادثة بدقائق وقد جاءه اتصال وذهب ولم يعد".
بدوره، قال طارق الصعيدي، صديق الشهيد، والذي رافقه في كافة مراحل دراسته حتى الجامعية في ذات التخصص: "عرفت محمد شابا خلوقا وسيمًا ذا قلب ينبض بالحنان وأخلاق تدل على الإسلام".
وأضاف لـ"فلسطين": "تعجز الحروف والكلمات عن وصفه، فهو مثال يحتذى به من الأخلاق، وقد كان رجلا مقداما شجاعا في ميادين الجهاد والعلم"، مشيرًا إلى أن مسيرته الجهادية لم تعِقْه عن مسيرته التعليمية.
وارتقى الأغا شهيدا بعد أن هرع مع قوة "نجدةٍ وإنقاذٍ" تابعة لكتائب القسام لمساندة مجموعةٍ من مقاومي سرايا القدس احتجزوا داخل نفق للمقاومة إثر قصفٍ إسرائيلي شرقي خانيونس جنوب قطاع غزة.