قائمة الموقع

أبناء شهداء غزَّة يئنُّون في العيد: "من يعيد آباءنا وأمَّهاتنا؟"

2025-04-02T18:53:00+03:00
صورة تعبيرية
فلسطين لأون لاين

تهرب حلا (10 أعوام) بنظراتها بعيدًا في أول عيد يحل عليها دون أبيها الذي اعتادت أن يصطحبها في مثل هذه المناسبة إلى البحر ويعطيها "العيدية" بيده الحانية، لتخفي حزنًا دفينًا في قلبها بعد استشهاده.

حلا وإخوتها: لمى (11 عامًا) ومحمد (9 أعوام)، انتزعت الفاجعة أباهم من "جمعة العائلة" في عيد الفطر، و"جزءًا من أرواحهم" المتعلقة به وبطقوس سنوية هي الأحب إلى قلوبهم.

وهذه المأساة تطال أيضا نحو 32 ألف طفل يتيم في قطاع غزة خلفتهم حرب الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط تعقيدات مختلفة واحتياجات كبيرة لدعمهم، حسب إفادة المدير التنفيذي لمعهد الأمل للأيتام نضال جرادة، لصحيفة "فلسطين".

وفي معهد الأمل للأيتام في غزة، سجل نحو 23 ألف يتيم بسبب حرب الإبادة الجماعية بينهم 4700 فقدوا الأب والأم و1900 آخرون فقدوا الأم. يضاف هذا العدد إلى 14 ألف يتيم بعضهم فقدوا ذويهم من جراء عدوانات سابقة.

ومنذ استئناف الاحتلال عدوانه العسكري على قطاع غزة في 18 مارس/آذار استشهد 1001 مواطن، وفق وزارة الصحة.

وبدعم أميركي، يرتكب الاحتلال منذ 18 شهرا جرائم إبادة جماعية بقطاع غزة خلّفت أكثر من 164 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

فرحة مسلوبة

ويخطف الفقد الفرحة بعيد الفطر من وجوه الأطفال الذين يقبعون حاليا تحت وطأة القصف والنزوح القسري ولا يجدون سبيلا لنسيان هول حرب الإبادة التي قضت على آبائهم أو أمهاتهم أو كلاهم، ولو للحظة.

وتجد سارة السدودي والدة لمى وحلا ومحمد نفسها في حلقة مفرغة وهي تحاول مساعدة أطفالها على تجاوز محنة فقد أبيهم في عمر الورود.

سعت الأم، رغم عدم وجود جهة معيلة لأطفالها حاليا، إلى توفير ملابس العيد التي ارتادوها فتغيرت أشكالهم لكن لم تجف دموعهم أو ما يكبتونه من مشاعر في صدورهم البريئة.

تصف في حديث مع صحيفة "فلسطين"، لحظات المرح بين أبنائها ووالدهم في العيد قبل ارتقائه: "كان يحني ظهره ويؤدي دور الحصان ليركبوا هم على ظهره".

تخفض حلا رأسها حزنا على ذكريات لن تعود، قائلة: "كان يلاعبني ويأخذني إلى البحر ويعطيها العيدية". تقاطعها لمى ببراءة بقولها: "كنا نلعب أنا وهو".

أنهكت قسوة الحياة في ظل حرب الإبادة سارة، وخنقت صوتها وهي تصف الحالة النفسية لأطفالها: "إنها صعبة جدا، والدي الذي يستضيفنا حاليا تعب أيضا في محاولته التخفيف عنهم".

تشير إلى طفلتها حلا، قائلة: "هذه البنت كانت هادئة ولكنها توحشت... أبنائي باتوا عنيفين للغاية ولا يسمعون كلامي".

ولا يقتصر الحزن على العيد، حيث يعز على الأم أن ابنتها لمى التي كانت من أوائل الطلبة ترسب الآن في الامتحانات، وعندما حصلت أخيرا على علامة واحدة فقط، قالت لوالدتها: "جيد أنني حصلت عليها!".

ورغم غضبها الذي يدفعها أحيانا إلى ضرب ابنتها، تبدي الأم تفهمها للأسباب التي آلت إلى هذا الوضع وفي مقدمتها العلاقة الخاصة الغائبة بين الأبناء وأبيهم الشهيد.

واستشهد والد هؤلاء الأطفال متأثرا بإصابته برصاصة قناص إسرائيلي ألقته في الفراش ثمانية أشهر قبل أن يفارق الحياة، وفق زوجته.

توج ذلك رحلة نزوح قسري خاضتها العائلة انطلاقا من بيتها في حي الزيتون جنوب مدينة غزة بسبب العدوان الإسرائيلي، وامتدت أشهرا في محطات عدة.

وعندما أصيب الأب برصاص القناص كان برفقة زوجته وطفلهما محمد يتفقدون بيتهم الذي ورد إلى مسمعهم أنه تحول إلى رماد.

"سمعت الرصاصة وهي تندفع في الجو... ومع حلاوة الروح شفته صار يجري... كانت إصابة صعبة وضعته بين الحياة والموت"، تروي زوجته بعض تفاصيل المشهد.

وما يزيد حالة حلا وإخوتها بؤسا هو تعرضهم أيضا للإصابة بنيران الاحتلال في خضم حرب الإبادة.

وأصيب أفراد الأسرة في أحد أماكن نزوحهم بشظايا قذائف الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعاني حلا من بتر في أذنها اليمنى، بينما تركت إصابات أخرى ندوبا في أجساد أمها وأخويها.

وفي الأصل، يعاني محمد من مرض ارتفاع نسبة الأملاح في العظام دون توفر العلاج اللازم في ظل حرب الإبادة، لدرجة لا يستطيع أهل البيت النوم معها من شدة ألمه.

اجتمعت كل هذه المواجع على أطفالها الذين لم يروا من الحياة إلا الفقد والمآسي.

"صدمة لا تزول"

تتشابه حكاية حلا ومحمد ولمى مع الكثير من الأطفال في غزة، ومنهم براء وأحمد وسمر اللوح الذين فقدوا والدتهم كأحد تداعيات حرب الإبادة.

غابت "روح البيت" وطقوس العيد هذه السنة مع غيابها، وإن حاول أبوهم صناعة أجواء شكلية من الفرح، تطغى عليها مشاعر الحزن، وأصوات الغارات الجوية التي تشنها طائرات الاحتلال الحربية وتذكر الأطفال بواقعة استشهاد والدتهم.

رغم بلوغ أحمد ستة أعوام من عمره فإنه يؤثر الصمت، ويغلبه الألم، دون أن يقوى على نطق حرف واحد يفرج فيه عن مشاعر سلبية يحتجزها في قلبه الصغير، وهو حال براء (5 أعوام).

أما سمر (9 أعوام) التي تكبر إخوتها فهي الأشد تأثرا بفراق أمها، والتي تحتضن ذاكرتها القدر الأكبر من المواقف معها لاسيما في العيد الذي حل عليها هذه المرة باهتا.

"ماما كانت تجهزلي ملابسي وتحضرني وتعملي مكياج وتزبطلي الأساور في العيد..."، تطلق سمر مخيلتها وكأنها تتحسس يد أمها تربت على كتفها وتسرح لها شعرها وتوضب لها هدومها.

طلعت اللوح (65 عاما) زوج الشهيدة، يوضح أنها كانت تعاني من "تليف على الرئتين" أصابها بعد إجرائها عملية ولادة قيصرية قبل سنوات، ما جعلها بحاجة دائمة للأكسجين.

كافح الرجل مع شن الاحتلال حرب الإبادة لتوفير الأكسجين لزوجته، ونقلها إلى المستشفى في سبيل ذلك، لكن اجتياحات الاحتلال الإسرائيلي واقتحامه المرافق الطبية في غزة أدى إلى مفارقتها الحياة.

تبقى تلك تفاصيل عالقة في ذهن سارة وإخوتها، لكنهم لا يقوون على استيعاب صدمة أن أمهم التي يريدونها ويفتقدونها قسرا في العيد، لن تعود.

اخبار ذات صلة