مع حلول عيد الفطر، يعيش سكان غزة ظروفًا قاسية تمنعهم من الاحتفال بهذه المناسبة كما اعتادوا لسنوات طويلة. إغلاق المعابر والحصار الإسرائيلي المتواصل جعل من الصعب تأمين أبسط مقومات الحياة، فكيف يمكن الحديث عن بهجة العيد في ظل الجوع؟ الأسواق شبه فارغة، الأسعار تفوق قدرة معظم السكان، والضيافة – وهي جزء أساسي من العادات الاجتماعية في العيد – أصبحت حلمًا بعيد المنال لدى الكثيرين.
في الأعياد السابقة، كانت العائلات الغزية تستعد لاستقبال الضيوف بالأطعمة والمشروبات والحلويات، حيث تتزين الطاولات بالمعمول والقهوة والتمر، وتُفتح الأبواب للأهل والأصدقاء لتبادل التهاني. أما هذا العام، فإن العيد جاء مختلفًا تمامًا، حيث يعجز الكثيرون عن تأمين حتى أبسط أنواع الضيافة بسبب نقص المواد الأساسية وارتفاع أسعار ما هو متوفر منها.
محمود عمر أحد من حي النصر غربي غزة، يصف حالته قائلاً: "لا أملك المال الكافي حتى لشراء الطعام الأساسي، فكيف سأشتري أغراض الضيافة؟ حتى لو كان لدي المال، فإن الأسواق لا تحتوي على ما يمكن شراؤه. بات استقبال الضيوف عبئًا نفسيًا كبيرًا، وأصبحت أشعر بالخجل عندما يأتي أحد للزيارة، لأنني بالكاد أستطيع توفير الماء لعائلتي".
الحصار الإسرائيلي أدى إلى شلل شبه كامل في الحياة الاقتصادية، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني. المواد الأساسية مثل السكر والدقيق والأرز باتت نادرة، وإن وجدت فهي تُباع بأسعار تفوق قدرة معظم السكان. أصبح خيار استضافة الأقارب والاحتفاء بهم رفاهية لا يمكن تحملها في ظل هذه الظروف.
العيد في غزة ليس فقط مظاهر احتفال، بل هو جزء من النسيج الاجتماعي القائم على الزيارات العائلية وتبادل الضيافة. لكن مع انعدام الموارد، تحوّلت هذه العادة إلى تحدٍ يومي يعيشه كل منزل. يقول شاكر موسى 55عاما وهو أب لأربعة أبناء: "حاولت أن أُظهر الفرحة بالعيد لعائلتي، لكن ماذا أفعل عندما لا أجد ما أقدمه للضيوف سوى الماء؟ حتى الشاي لا أستطيع إعداده، لأنني لا أملك غاز الطهي منذ أسابيع".
لم تعد الفرحة بالعيد تقتصر على تقديم الحلويات والمشروبات، بل أصبحت مرتبطة بأمل الوصول إلى الغذاء والنجاة من الجوع. يضيف أحمد بحسرة: "أنا لا أطلب أكثر من حياة كريمة لأطفالي. نريد أن يشعر العالم بمعاناتنا، نريد ضغطًا دوليًا حقيقيًا على الاحتلال لوقف العدوان وكسر الحصار".
في ظل هذه الأزمة، تعتمد آلاف العائلات الغزية على المساعدات الغذائية المقدمة من الجمعيات الخيرية. لكن هذه المساعدات لا تصل إلى الجميع، وإن وصلت فهي بالكاد تكفي لسد رمق الجوع.
حسام كلوب 36 عاما وهو أحد سكان الشاطئ الشمالي، يروي قصته قائلاً: "لم أكن أملك المال لجلب أي شيء للضيافة، فكيف أستقبل زواري في العيد؟ لكن قبل يوم من العيد، تلقيت رسالة قصيرة من إحدى المؤسسات الإغاثية تخبرني أنني سأحصل على طرد غذائي. عندما فتحته، وجدت فيه كيلوغرامًا واحدًا من التمر، فقررت أن أجعله لضيافة الزائرين". ورغم شح الموارد، إلا أن حسام يحاول التمسك بروح العيد قائلاً: "العيد من الله، وسنفرح به ولو بالقليل. نحن شعب صامد، ولن يكسرنا الاحتلال ولا حصاره".
ما يحدث في غزة ليس فقط أزمة إنسانية مؤقتة، بل هو كارثة متراكمة تزداد حدتها مع استمرار الحصار. أصبح الوصول إلى الغذاء أمرًا صعبًا، وبدأت المجاعة تلوح في الأفق، حيث تعجز العديد من العائلات عن تأمين وجبة يومية متكاملة.
إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع والمواد الغذائية جعل الأسواق خاوية، ودفع السكان للاعتماد على ما يمكنهم العثور عليه بأسعار خيالية. حتى المساعدات الإنسانية، التي كانت تصل بشكل محدود، تقلصت بشكل كبير، مما يزيد من معاناة الأهالي.
مع استمرار هذا الوضع المأساوي، يطالب سكان غزة العالم بالتحرك العاجل لإنهاء الحصار الإسرائيلي والسماح بدخول المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية. العيد الذي يُفترض أن يكون مناسبة للفرح، تحوّل في غزة إلى اختبار صعب للصبر والصمود.
رغم كل شيء، يصرّ الفلسطينيون في غزة على التمسك بالأمل. قد لا تكون هناك كعك العيد، ولا قهوة تُقدّم للضيوف، لكن العيد يبقى عيدًا، ولو بأقل القليل.