وجد المواطن أبو فوزي رجب نفسه مُرغماً على النزوح بعد ليلة قاسية قضاها برفقة عائلته داخل خيمة النزوح في منطقة بيت لاهيا شمالي القطاع، بفعل إطلاق دبابات الاحتلال قذائفها بشكل عشوائي، في حين كان إطلاق النار لا يتوقف.
ليلة السبت الماضي، كان "رجب" يعدّ الدقائق في انتظار انتهاء ذلك اليوم القاسي الذي عاشت فيه عائلته حالة من الرعب والخوف بفعل شدّة القصف، خصوصاً أن الخيمة التي نصبها في منطقة الشيماء ببلدة بيت لاهيا شمالي القطاع لا توفر لهم أدنى حماية، في أعقاب استئناف الاحتلال حرب الإبادة الجماعية على القطاع، وصبّه جام نيرانه صوب المواطنين الآمنين.
حين بزغ فجر اليوم التالي، اصطحب "رجب" عائلته على وقع إطلاق النار الذي لم يتوقف أيضاً، وأخذ يبحث عن مكان آمن يحتمي فيه هو وعائلته، لتفتح له رحلة النزوح أوجاع التهجير المتكررة التي عاشها طيلة أيام العدوان على مدار أكثر من 15 شهراً، حسبما يروي.
يقول رجب لصحيفة "فلسطين": "كانت ليلة صعبة ودامية، حيث لم تتوقف القذائف وإطلاق الرصاص صوب خيام النازحين في بيت لاهيا، وهو ما دفعنا للنزوح إلى منطقة مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة".
ويضيف: "أخذ الاحتلال يطلق الرصاص صوبنا دون سابق إنذار، ما أثار حالة من الخوف والرعب بين أفراد عائلتي، خصوصاً الأطفال، فاضطررتُ للنزوح إلى مخزن لصديق لي، حيث أعيش داخله مع عائلتي المكونة من ثمانية أفراد".
ويروي بحسرة: "لم نلتقط أنفاسنا من رحلات النزوح التي عشناها على مدار 15 شهراً، لنعود إلى هذا المسلسل الصعب من جديد، لكن هذه المرة أكثر قسوة بسبب عدم توفر مقومات الحياة الأساسية، من طعام وماء، بسبب استمرار الاحتلال في إغلاق المعابر".
لم يكن أبو حمد حمد أفضل حالاً من "رجب"، فقد تجرّع من ذات كأس النزوح "المُر" حين اضطر مُرغماً إلى ترك الخيمة التي كان يسكنها في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، بسبب إطلاق النار الكثيف.
يقول حمد، بصوت يملأه الأسى والمرارة، لـ"فلسطين": "نزحت مع عائلتي قبل أسبوع من بيت حانون إلى معسكر جباليا شمالي القطاع، وذلك عقب اشتداد القصف وإطلاق قذائف الدبابات".
ويوضح أنه يسكن حالياً برفقة عائلته، المكونة من ثمانية أفراد، في غرفة داخل عيادة الفاخورة في مخيم جباليا، حيث يعاني أوضاعاً صعبة بسبب نقص أبسط مقومات الحياة من طعام وماء، نتيجة استمرار إغلاق المعابر مع قطاع غزة.
ويضيف: "عدنا إلى تناول طعام المعلبات والعدس والمعكرونة بسبب قلة المساعدات الغذائية والإغاثية، كما توقّفنا عن تلقي الدعم اللازم من المؤسسات الدولية والإغاثية، وهو ما يزيد من تفاقم الأوضاع المتردية أصلاً التي نعيشها".
المعاناة ذاتها تكررت لدى المواطن محمد مصلح، الذي اضطر مُرغماً إلى النزوح من بيت حانون بعد ليلة قاسية عاشها برفقة عائلته، المكونة من ستة أفراد، بفعل إطلاق القذائف بشكل عشوائي صوب خيامهم.
يقول مصلح لـ"فلسطين": "لم يكن أمامي أي خيار سوى النزوح مجدداً، فوجدتُ ضالتي في منزلٍ مدمر جزئياً لأحد أقاربي في حي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة".
ويحكي والغصة تسيطر على صوته: "بالكاد استطعتُ الاستقرار قليلاً بعد عودتي من رحلة نزوح طويلة في جنوب قطاع غزة امتدت أكثر من 14 شهراً، لنعود مجدداً إلى ذات المسلسل القاسي الذي مررنا به".
وما يزيد معاناة "مصلح"، هو دخول مناطق شمال غزة في مجاعة بفعل استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الغذائية والإغاثية، متسائلاً: "إلى متى سنبقى على هذا الحال بلا أدنى مقومات للحياة، خصوصاً أن لديّ أطفالاً؟".
ويستصرخ كل الضمائر الحية في العالم العربي والإسلامي بضرورة التدخل الفوري والضغط على الاحتلال لوقف جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ووقف مسلسل التهجير القسري، وفتح المعابر، والسماح بإدخال المساعدات الغذائية والإغاثية قبل فوات الأوان
وكان المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قد قال إن التقديرات تشير إلى نزوح أكثر من 120 ألف شخص من مناطق محافظة شمال غزة التي صدرت أوامر إخلاء بشأنها منذ 18 مارس/ آذار الجاري.
كما أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن استئناف الحرب في غزة كارثي على السكان، مشيرة إلى أن الأسبوع الماضي كان الأشد قسوة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وحذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" من أن الوضع في غزة يزداد تدهوراً مع استمرار العدوان الإسرائيلي للأسبوع الثاني، وتناقص الإمدادات، وعدم دخول أي شحنات إلى غزة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.
واستأنفت حكومة الاحتلال الحرب على غزة، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 830 مواطناً، وإصابة 1787 آخرين. كما أعلنت وزارة الصحة ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى ما يزيد عن 50 ألف شهيد، وأكثر من 113 ألف إصابة منذ السابع من أكتوبر 2023.