في إحدى ليالي ديسمبر الباردة عام 2003، كان عماد نعيم الشريف، الشاب المهندس في ريعان شبابه، يسير في دروب المطاردة التي فرضها عليه الاحتلال الإسرائيلي. لم يكن يعلم أن تلك الليلة ستكون الأخيرة له في شوارع فلسطين قبل أن يُزَجَّ به في غياهب السجون لعقدين من الزمن.
وُلد الشريف عام 1979، وترعرع في بداية حياته في مدينة البيرة، ثم انتقل مع عائلته للعيش في بلدة بيتونيا غرب رام الله، حيث نشأ وسط عائلة فلسطينية مناضلة.
كان شابًا طموحًا يدرس الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت، لكن قدره اتخذ مسارًا آخر حين بات مطلوبًا لقوات الاحتلال عام 2003. يقول لصحيفة "فلسطين": "منذ ذلك الحين، بدأت أعيش حياة المطاردة، متخفيًا بين الأزقة والجبال، متنقلًا من مكان إلى آخر، بينما كانت قوات الاحتلال تحاصرني من كل جانب".
وفي 11 سبتمبر 2003، تلقت عائلته صدمةً قاسية عندما اقتحمت جرافات الاحتلال منزلهم وهدمته بالكامل في محاولة للضغط عليه لتسليم نفسه. لم يرضخ الشريف، لكنه كان يدرك أن المعركة لم تكن عادلة، وأن الاحتلال لا يتوانى عن استهدافه.
وفي الأول من ديسمبر من العام نفسه، حاصرته قوات الاحتلال مع رفاقه في عملية عسكرية دموية انتهت باستشهاد ثلاثة منهم، بينما نجا هو بأعجوبة، ليجد نفسه مكبل اليدين، محمولًا إلى زنازين التحقيق.
محطات الأسر والمعاناة
لم يكن الطريق سهلًا بعد الاعتقال. يقول الشريف: "أمضيت في زنازين التحقيق قرابة 94 يومًا، خضعت خلالها لما يعرف بالتحقيق العسكري، أو ما يطلقون عليه القنبلة الموقوتة، وهو تحقيق صعب وقاسٍ تُستخدم فيه أساليب التعذيب الجسدي".
حُكم عليه بالسجن المؤبد بتهم تتعلق بمقاومة الاحتلال والانتماء إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام، لكن بعد استئناف تقدّم به، تم تخفيض الحكم إلى 27 عامًا بعد تسعة أشهر من صدور الحكم الأول.
ويشير الشريف إلى أن الأسر هو تعطيل لكل تفاصيل الحياة، قائلًا: "لم أكمل دراستي في جامعة بيرزيت، ولم أحظَ بحياة كباقي الشباب، من الزواج وتكوين أسرة وإنجاب الأبناء، أو أن أعيش حياتي بشكل طبيعي".
ويضيف: "لكن العزاء أن هذا كله في سبيل الله، وما عند الله خير وأبقى. أملي هو أن يرضى الله عني، وأن يتقبل مني هذه السنوات في سبيله".
التحدي خلف القضبان
ورغم الأسر، لم يستسلم الشريف لليأس، بل حوّل أسره إلى محطة لصقل ذاته، فانكبَّ على دراسة العلوم القرآنية، وأصبح من بين الأسرى الذين خاضوا تجربة التعليم داخل السجون، متحديًا الجدران التي حاولت أن تسلبه أكثر من حريته.
ويؤكد الشريف أنه قبل الاعتقال لم يكن يعاني من أي أمراض أو إصابات، لكن منذ بداية حرب طوفان الأقصى، أصبحت ظروف العيش في السجون في غاية القسوة والوحشية، مما أدى إلى إصابته بعدة أمراض وضعف جسدي، ما زال يعاني منها حتى بعد تحرره.
طوال 21 عامًا، تنقل بين مختلف السجون الإسرائيلية، من عزل إلى آخر، ومن قيد إلى آخر، فيما كانت والدته المقدسية، هيام الشريف، لا تكلُّ ولا تملُّ من المطالبة بحريته، حاملة صورته في كل وقفة ومسيرة تضامنية، تنتظر اليوم الذي يعود فيه ابنها إلى أحضانها.
يؤكد الشريف أن الأسير يعيش دومًا على الأمل، وأن ليل السجن لا بد أن يزول، مشيرًا إلى أن هذا الأمل يزداد يقينًا بالله عز وجل، وإيمانًا بعدالة القضية الفلسطينية، وبالمقاومة التي تتبنى قضية الأسرى.
وفي فبراير 2025، جاء اليوم المنتظر. أُدرج اسمه ضمن قائمة الأسرى المحررين في صفقة طوفان الأحرار ضمن المرحلة السابعة، ليعانق الحرية بعد أكثر من عقدين خلف القضبان، لكنه أُبعد إلى مصر.
يقول الشريف: "البُعد لا يمكن أن يغيّر ما في القلب من حب لأرضي وتمسّك بقضيتي".