فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير غسيل الملابس في غزَّة... "معركة يدويَّة" ضدَّ انقطاع الكهرباء وندرة المياه

...
غسيل الملابس في غزة.. "معركة يدوية" ضد انقطاع الكهرباء وندرة المياه
غزة/ محمد القوقا:

تجلس أم حسن النجار (42 عاماً) على كرسي خشبي مهترئ في شرفة منزلها المُشرَّع بالشقوق جراء قصف إسرائيلي لبناية مجاورة. تتدلى من حبل غسيل مائل ملابس أطفالها الخمسة، في حين تنحني فوق وعاء بلاستيكي كبير، تتحسس بيديها المتورمتين قميصاً أصفر شاحباً. تتناثر حولها حبيبات مسحوق غسيل رخيص، وجالون ماء نصفه فارغ توفره لشرب أطفالها. ترفع كمّ ثوبها البالي لتجفف عرقاً يتساقط على جبينها، بينما تهمس: "لو كانت الغسالة تعمل، لكنت انتهيت منذ ساعات". تلتقط أنفاسها بثقل، ثم تعاود الفرك بقوة، وكأنها تحارب البقع المتسخة واليأس في آنٍ واحد.

ليست أم حسن سوى حلقة في سلسلة معاناة تمتد عبر قطاع غزة، حيث تحول غسيل الملابس إلى معركة يومية لآلاف النساء. منذ 17 شهراً، يغرق القطاع في ظلام دامس بسبب قيود إسرائيلية مشددة رافقت حرب الإبادة الجماعية، ما فاقم أزمة إنسانية طاحنة يعيشها 2.4 مليون فلسطيني محاصرين منذ منتصف 2006. وفق شركة توزيع الكهرباء في غزة، دمرت (إسرائيل) 70% من شبكات التوزيع، بما يعادل 3,680 كيلومتراً من الخطوط، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.

"أصبحت يداي غسالتي"، تقول أم حسن بمرارة، بينما تشير إلى تشققات نازفة في كفيها. في حي النصر بمدينة غزة، حيث تسكن، تتحول قطرات الماء إلى نقود تُحتسب بدقة: "أغسل الملابس المتسخة أولاً، ثم أستخدم الماء نفسه لمسح الأرض". لم تعد القدرة على الاستحمام أو تنظيف الملابس أمراً مسلّماً به، بل تحدياً يتطلب التخطيط الدقيق لموارد شحيحة.

غسالات أثرية

تكشف الأزمة عن مشهد قاتم: غسالات كهربائية تحولت إلى خزائن لحفظ الأحذية، كما في منزل فداء حمودة (32 عاماً) بمخيم الشاطئ. "أشعر أنها تسخر مني كلما مررت بجانبها"، تقول فداء، التي تعتمد على غسلٍ يدوي يستغرق 3 ساعات يومياً. الواقع لا يختلف في بيت جارتها، حيث تواجه منى حسونة (40 عاماً) سباقاً مع الزمن: "أعود من العمل لأجد كومة ملابس تنتظرني.. يداي كبالونات من الألم".

تتحدث منى عن تحدٍّ آخر يواجه الأمهات في غزة: تجفيف الملابس. "لا يكفي أن تغسلها، عليك أن تحرسها أيضاً"، تقول ضاحكة بمرارة، مشيرة إلى الغبار المتصاعد من الأنقاض والرماد الذي يتساقط مع كل قصف. تضيف: "أحياناً، أعيد غسل القطعة الواحدة ثلاث مرات بسبب الأتربة".

البرد القارس يزيد الطين بِلّة، فملابس الأطفال الثقيلة تتراكم، والأتربة الناتجة عن الركام تلوث كل شيء. "حتى المسحوق أصبح عدواً"، تضيف منى، التي اضطرت لارتداء قفازات بلاستيكية سميكة بعد أن تسببت المواد الكيماوية الرديئة في حروق جلدية.

أسئلة بلا إجابات

مع اقتراب آذان العصر، تنتهي أم حسن من غسل آخر قطعة ملابس، تعلقها على حبلٍ مزدحم فوق الشرفة المتهالكة. تنظر إلى يديها المُحمرتين، ثم إلى جالون الماء الفارغ، وتتنهد: "غداً نعيد الكَرّة".

في الداخل، يلهو أطفالها بملابس نظيفة، بينما تهمس هي بأسئلة تعلق في الهواء مثل قطعة قماش مبللة: "متى تنتهي هذه الحرب؟ ومتى نستعيد حقنا في الحياة كبشر؟".

 

 

 

المصدر / فلسطين لأون لاين