ودّعت الساحة الفلسطينية والعربية واحداً من فرسانها القدامى، اللواء جبر علي عمار، المعروف بـ”أبي علي”، نجل الشهيد علي عمار الذي ارتقى عام 1948 دفاعاً عن بلدته، ليحمل اللواء من بعده إرث المقاومة وعزيمة المقاتلين.
تميّز اللواء جبر بحضوره اللافت، وصوته الجهوري الذي يملأ المكان، وخطاه السريعة التي تعكس حيويته رغم تقدمه في السن. عرف بملامحه القوية، ولحيته البيضاء، وجلبابه النظيف، وهيئته الوقورة التي تشي بتاريخ طويل من الجهاد والانضباط.
كان ممن لا يساومون على الحق، يصدح دوماً بثقة: “سنعود، سنقاتلهم، وسنصلّي هناك رغم أنوفهم”، في موقف يلخّص إيمانه الراسخ بعدالة القضية، ويجسد روح المقاتل الذي لا يتعب.
طوال ثلاثين عاماً، ظلّ اللواء جبر شاهداً على محطات مفصلية في تاريخ فلسطين، مناضلاً في صفوف جيش التحرير، ومتقدماً في الرتب حتى نال رتبة “لواء”، دون أن ينحني لمغريات السلطة أو يخضع لسطوة التسويات السياسية. ظلّ وفياً لدماء الشهداء، وفي مقدّمتهم دم والده الذي سُفك في بيت دراس.
ورغم عمره المتقدم، عاد اللواء إلى مقاعد الدراسة، فحصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من جامعة إفريقيا العالمية، ثم الماجستير، وكان عازماً على نيل الدكتوراه، إيماناً منه بأن العلم جزءٌ من معركة الوعي والتحرير.
عاد إلى وطنه بعد سنوات من الغربة، وسبقه إلى الشهادة بعض من أحبّته، من بينهم ابنته عائشة، التي ارتقت في الأيام الأولى من معركة “طوفان الأقصى”، ليكون التحاقه بها لاحقاً، تتويجاً لحياةٍ طويلة من العطاء والوفاء للقضية.
هكذا رحل اللواء جبر، تاركاً خلفه سيرة مقاتلٍ لا يلين، وعَلَماً من أعلام المرحلة، ورفاتاً رُكز في رمال الوطن كأنها لواءٌ لا يزال يستنهض الهمم كل صباح ومساء.
رحمه الله رحمة واسعة، وألحقه بالصالحين.