فلسطين أون لاين

موجات نزوح مستمرة.. مراكز إيواء تتكدس وخيام تفترش الشوارع (بالصور)

موجات نزوح مستمرة.. مراكز إيواء تتكدس وخيام تفترش الشوارع (بالصور)
موجات نزوح مستمرة.. مراكز إيواء تتكدس وخيام تفترش الشوارع (بالصور)
فلسطين لأون لاين

على امتداد شارع الوحدة بمدينة غزة، تفترش خيام النازحين القادمين من شمال القطاع جانبي الطريق، وبجانب مكب النفايات، وبمحيط مراكز الإيواء، وعلى جدران أسوار المدارس، وبأي مساحة فارغة، وبداخل مراكز الإيواء المتكدسة بالنازحين قبل موجة النزوح الأخيرة، في رحلة تشرد جديدة متزامنة مع عملية تجويع بإغلاق المعابر ومنع إدخال السلع والمستلزمات الأساسية.

فرَّ النازحون من الموت الذي كسر فرحة عودة لم تستمر طويلاً لمنازلهم بعد رحلة نزوح قسري طويلة لجنوب القطاع، ليعيشوا فصلا جديدًا من المعاناة والمأساة، ينزحون تحت القصف والأحزمة النارية، ويغادرون خيامهم أو أجزاء استصلحوها من بيوتهم المهدمة، حتى النزوح لم يكن سهلاً مع انعدام المواصلات نتيجة أزمة الوقود، فأجبر بعضهم على المشي وهو يحمل بعض الأمتعة والحقائب، أو استخدموا عربات كارو وصولاً لغرب مدينة غزة التي امتلأت شوارعها ومراكز الإيواء فيها بالنازحين.

بداخل مركز إيواء مدرسة "المعتصم بالله" وسط مدينة غزة، بصعوبة بالغة استطاعت إدارة المركز استقبال النازح محمد أبو سرايا وعائلته في آخر مساحة فارغة وقريبة من دورة المياه بالمدرسة، بعد ليلة صعبة أمضتها العائلة حينما وصلت مساءً قبل يومين وتزامن وصولها مع سقوط موجة أمطار غزيرة.

ليلة صعبة

 حاولت العائلة الاحتماء أسفل شادر وضعت طرفه على جدار المدرسة وثبتت الطرف الآخر على الأرض، فيما كانت المياه تغمره من جانبين، وفي تلك المساحة الصغيرة نام 11 فردًا بالعراء يصفها أبو سرايا بأنها أصعب ليلة نزوح عاشها خلال الحرب.

بجانب الخيمة كان الدخان يتصاعد من موقد النار، وهذه مأساة أخرى يعيشها النازحون مع نفاد غاز الطهي في عموم القطاع، يقول لصحيفة "فلسطين": "هذه المرة الثالثة التي أنزح فيها، جئت من بلدة بيت لاهيا، حاولت الذهاب لمراكز إيواء أخرى فكانت كلها متكدسة ولا يوجد بها متسع، حتى أن هذه الخيمة التي نعيش فيها أعطانا إياها فاعلو خير ساعدونا".

بعد رحلة نزوح رجعت العائلة لمنزلها ببلدة "بيت لاهيا" وعاشت بين جدران متصدعة وبداخل منزل آيل للسقوط، "لم تكن الفترة التي أمضيناها سهلة، فالبيت كان آيلا وكنا نخشى حدوث أي انفجار قريب وسقوطه علينا، كانت مياه المطر تتدفق من فتحات بالسقف، لا يوجد نوافذ، حاولنا التأقلم بوضع شوادر وإغلاق الفتحات" أضاف.

محمد اسليم وهو أحد النازحين داخل مركز الإيواء نفسه، يقول عن استقبال نازحين جدد، إن: "المركز استقبل أكثر من عشر عائلات، بعضهم استقبلتهم عائلات داخل فصول متكدسة، فزادت المساحات ضيقا على من يعيشون بداخلها، وبعض الخيام افترشت المساحات المتبقية في ساحة المدرسة، ما زاد ضغط الحياة هنا، وأصبحت كل عشرة عائلات تتقاسم دورة مياه واحدة".

وقبل موجة النزوح الأخيرة، كانت العائلات داخل الفصول على غرار بقية مراكز الإيواء الأخرى، تتقاسم الفصل الواحد بوضع فواصل من الشوادر أو قطعة قماشية تفصل بين عائلة وأخرى بحيث يستوعب الفصل ثلاث عائلات تقريبا، "رغم أنه يفترض أن يعيش فيه عائلة واحدة" وفق اسليم.

في مركز إيواء ملعب اليرموك، تملأ الخيام أرضية الملعب الذي لم يجد النازحون الجدد أي مساحة لنصب خيامهم، الأمر الذي جعل بعض العائلات تتقاسم المساحات المخصصة لهم لاستيعاب أقارب نازحين، كحال الستيني هاني اللحام الذي خصص مساحة و نصب فيها خيمة جديدة لاستقبال ابن شقيقته النازح من شمال القطاع.

كانت كلماته عميقة الانتماء لقضيته ولشعبه، تنطلق من قلب مليء بالإيمان وشخص يحب الإيثار والمساعدة، يحكي لصحيفة "فلسطين" وهو يجلس بداخل الخيمة وبقربه تحاول زوجته إطعام طفلتهم الرضيعة التي ولدت خلال الحرب، بحضور بعض أبنائه: "بالرغم من الضغط الذي قد يواجه الإنسان بتقاسم المساحة مع عائلة أخرى، لكن نحن مسلمون ولدينا عاطفة نحاول لملمة بعضنا".

ظروف صعبة

يضيف بصوت ترافق الدموع على حال النازحين الذي يفترشون الشوارع والعراء: "قسمت المساحة من باب الحس بمعاناة ابن شقيقتي، فهو يسكن في جهة وزوجته في جهة وهنا يمكنهم الاجتماع ولم شملهم، ولو دق خيمتي إنسان غريب ليس بيني وبينه صلة قرابة، واستطيع مساعدته بالقدر المستطاع فلن أتوانى عن ذلك، فهذه فرصة تأتيك لتكون تجارتك رابحة مع الله".

فوق سطح بناء مائل بعد تعرضه للقصف، يلاصق مكب النفايات بجوار ملعب اليرموك، تحاول صابرين سلامة قشط الأرض، ورش معقمات تبعد الذباب الذي يحوم حول طفلها الرضيع النائم داخل خيمة تخلو من الحصائر، فيما تمتلئ حبال الغسيل بملابس نشرتها قبل لحظات، وبمحيطها تنصب عشرات العائلات خياما مماثلة، جمعهم هنا السبب ذاته "امتلاء مراكز الإيواء والساحات العامة بالخيام".

تسند سلامة رأسها إلى يدها وهي تجلس أمام خيمة ليست لها وإنما اضطرت عائلة مجاورة لمنحها إياها مؤقتا كونها زوجة شهيد لحين "انفراج الأمور" فيما خصصت تلك العائلة خيمة لنفسها، تعيش في واقع مأساوي تنبعث رائحة كريهة من أكوام كبيرة من القمامة، وتغزو الحشرات والذباب نهارهم وتؤرق ليلهم.

"قدمت من بيت لاهيا، لأن جيش الاحتلال ألقى منشورات وأتبع ذلك بقصف متواصل، وكوني فقدت زوجي في 18 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، واستشهد معه طفلي مالك (8 سنوات) برفقة والده باستهداف مدرسة "الفاخورة"، ولم يتبق لدي سوى طفل (عامان) وشقيقته بعمر ست سنوات، حاولت النجاة بهم".

وإن نجت سلامة من الموت، فإنها لم تنجُ من قسوة الواقع الذي وجدت نفسها فيه، ففي ليلتها الأولى داخل الخيمة، وجدت سلامة فرشتها منزلقة بفعل الميلان الكبير للسطح الموجودة عليه الخيمة، ولم يكن الأمر كذلك، فاستيقظت لتجد الفرشة والملابس غارقة بمياه الأمطار التي تدفقت من الأعلى.

بداخل الخيمة تنعدم أدنى مقومات الحياة، وتخلو من أية مستلزمات ضرورية كالطعام أو المياه، إلا بالقليل من الأشياء التي استطاعت النزوح بهم.

على أحد جوانب شارع الوحدة، يعيش حسام صبح داخل خيمة يفتح بابها على الطريق الرئيس بالمدينة، والذي لا تتوقف فيه حركة المارة والسيارات وعربات تجرها حيوانات من المرور بجانب خيمته، إحدى السيارات قامت بدهس قدم طفله.

يقف الطفل بأصابعه المتورمة، قرب والده الذي لم يجد إلا هذا المكان رغم خطورته المساحة الوحيدة لنصب خيمته، ويقول لصحيفة "فلسطين" بملامح مرهقة من رحلة النزوح وصوت متعب: "هنا أنت في الشارع، نعيش بمعاناة شديدة، أو أشبه بموت آخر، ليس لدينا أدنى مقومات حياة، لا طعام أو مياه أو دورات مياه، لا غاز طهي، فلا يمكن وصف المعاناة التي نعيشها، طوال الوقت نراقب أطفالنا خوفا من الدهس كما حدث مع طفلي الذي مشت إحدى السيارات على أصابع قدمه وهو يجلس داخل الخيمة".

في خيمة أخرى، وبينما كانت تجلس أم أحمد أمام خيمتها، خرج طفلها الذي لا يزيد عمره عن عامين من باب الخيمة الواقعة على جانب الطريق وبالكاد تترك مساحة قليلة لمرور المركبات، وذهب باتجاه السيارات في لحظة كانت تمر جرافة من أمام المخيمة، لتركض أمه وتمسكه قبل أن يصل عجلات الجرافة وينجو الطفل من موت محقق.

لدى الخيمة بابان، في كل باب يؤدي إلى الخطر، تجلس أم أحمد مع أطفالها داخل خيمة يعيش فيها شقيقها وأطفاله، تتقاسم العائلات المعاناة والهم الجاثم على صوتها وهي تتحدث لصحيفة "فلسطين" بينما تحتضن طفلها وتحاول التقاط أنفاسها من هول الصدمة الواضحة على ملامحها: "زوجي شهيد وليس لدي مكان، فجئت إلى خيمة أخي، هربا من القصف والموت والأحزمة النارية، نحاول البحث عن أي بقعة أمنة رغم علمنا أنه لا يوجد أي مكان آمن داخل القطاع".

اخبار ذات صلة