قائمة الموقع

16 شهرًا بلا كهرباء.. "حياة بدائية" يعيشها أهالي غزَّة

2025-03-15T08:52:00+02:00
16 شهرًا بلا كهرباء.. "حياة بدائية" يعيشها أهالي غزَّة
فلسطين أون لاين

يغرق قطاع غزة منذ ستة عشر شهرًا في ظلام دامس بعد قطع الاحتلال الكهرباء عن القطاع في اليوم الأول من حرب الإبادة التي شنها على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبعدها بأربعة أيام توقفت محطة التوليد الوحيدة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، ومعها تعطلت مجالات الحياة كافة، وعاد الناس إلى ممارسة حياتهم كأنهم يعيشون في عصور بدائية، توقف معها كل شيء يعمل بالكهرباء من أجهزة منزلية وورش ومصانع وآبار مياه ومضخات معالجة ومستشفيات وانطفأت أنوار المنازل والشوارع والمحال.

لكن لم تبدأ قصة معاناة أهالي القطاع مع أزمة الكهرباء قبل ستة عشر شهرا فقط، وإنما منذ نحو 20 سنة عندما قصف الاحتلال محطة التوليد في يونيو/ حزيران 2006، وألحق أضرارا بالغة فيها، ما تسبب بأزمة ممتدة منذ ذلك الحين، أثرت في جدول توزيع الكهرباء باتباع نظام وصل التيار الكهربائي (8 ساعات ) يوميًا، وبدْء فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية، وصولا إلى قطعها بالكامل منذ عام ونصف العام مع بدء حرب الإبادة.

مع ساعات الليل وخاصة بالمناطق التي طالها دمار كبير تنعدم الإنارة وتصبح الشوارع "موحشة" تملأها الكلاب الضالة التي "تصول وتجول" فيما يلتزم الناس مساكنهم سواء بخيام إيواء أو على أنقاض المنازل المدمرة أو بالمنازل الناجية والمتضررة، فيما تراكمت طبقات الغبار على الآلات والأجهزة الكهربائية التي لم تعمل منذ عام ونصف العام.

ولتعويض هذه الكارثة وللخروج من عهد العصور البدائية التي أراد الاحتلال جعل الواقع في القطاع مشابها لها، استخدم مواطنون ألواح الطاقة الشمسية لتشغيل بعض الآبار والأجهزة الكهربائية كالثلاجات وشحن الهواتف الخلوية والبطاريات للإنارة، وهذا الحل يستنزف جيوبهم بسبب كثرة احتياجه.

مساحات معتمة

بداخل مركز إيواء بمدرسة فلسطين بمدينة غزة، كان الحاج سليم جندية المُكنى "أبو رمزي" يحاول شحن "كشاف إنارة"، حيث تستطيع بطاريته توفير الإضاءة لمدة ساعتين في غرفة داخل مركز الإيواء واستطاع الحصول على خط كهرباء من الطاقة البديلة من مدرسة مجاورة لمدة ساعة فقط لشحن الهواتف والبطاريات.

بينما وضع جندية الكشاف في الغرفة قال لـ "فلسطين أون لاين" عن معاناته: "مع ساعات الإفطار نضيء الكشاف لمدة ساعة، ثم نضيئه بساعة أخرى أوقات السحور، وأحيانًا نستفيد من ضوء النار أثناء طهي الطعام في ممرات المدرسة أوقات السحور للإنارة والرؤية".

وفي وقت كانت ساحة المركز تعج بحركة الأطفال، والناس الذين يجلسون في جنباتها، والنساء اللواتي يغسلن الملابس على أيديهن، يتحول المشهد لشكل مختلف مساءً، يرسمه جندية هنا: "في الليل تتحول الساحة إلى ظلام بالتالي تصبح الحركة فيها منعدمة وهذا الحال منذ ثمانية أشهر لحظة نزوحنا من حي الشجاعية شرق المدينة إلى المركز، وقبل ذلك تنقلنا بين عدة أماكن وواجهنا نفس المعاناة وغرقنا في الظلام، فلا يوجد كشافات إنارة في المركز. اليوم عندما نزلت لصلاة الفجر سقطت بسبب العتمة، وأحيانا نصطدم ببعضنا لانعدام الرؤية.

عن 16 شهرًا بلا كهرباء، تخرج تنهيدة من قلب جندية ترافق صوته المثقل بالهموم "أمنيتنا أصبحت أن نرى شاشة التلفاز، فطول تلك المدة أستمع للأخبار من خلال الراديو، أو أن نضيء الغرف بمصابيح كهربائية، فالإنارة التي توفرها الهواتف أو الطاقة البديلة (ليدات) متعبة وسيئة لكننا مجبرون على استخدامها".

ولتوفير الإنارة يستخدم النازحون في مراكز الإيواء، أضواء الهواتف، أما سمية غريري التي تعيش في خيمة وضعتها أسفل بقايا سقف مدرسة إيواء أخرى غرب مدينة غزة، كأنها تسكن في "كهف" مظلم، لم يمنح النهار المكان ضوءًا كافيًا للإنارة التي لا تجدها في الليل إلا من شمعة تحاول خلالها الإضاءة لإعداد طعام "السحور".

تقول لـ "فلسطين أون لاين" وهي تحمل بقايا شمعة أوقدتها أمس بينما يسكن الوجع بين نبرات صوتها وملامحها "لا يوجد إضاءة، وهذه معاناة كبيرة نعيشها في الخيام، قمت بإعداد طعام السحور بإيقاد شمعة وطوال الوقت أكون حذرة وأراقبها خوفا من التسبب بحريق بسقوطها على الملابس والأغطية، وسعر كل شمعة يبلغ 5 شواقل".

وتوقفت كل مناحي الحياة نتيجة قطع التيار الكهربائي منذ 16 شهرا، ومعه توقفت الورش الصناعية عن العمل. يعمل الحداد نصر الدلو في ورشة حدادة وحاليا يقوم بإجراءات صيانة خارجية على مولدات تعمل بالوقود لإصلاح أبواب الأهالي ونوافذهم وهذه من الأشياء الضرورية التي لا غنى عنها.

يحكي الدلو لصحيفة "فلسطين" فيما كان يحاول إصلاح أحد أبواب عمارة سكنية متضررة: "منع الكهرباء منذ بداية الحرب أوقف عمل ورش الحدادة بالكامل، والآن نعاني كثيرا، فالناس تريد إصلاح أبوابها المتضررة لكن لا تستطيع تحمل تكلفة استئجار مولد مع توفير الوقود بسبب ارتفاع أسعارها".

صعوبات كثيرة

ويواجه الأهالي صعوبة كبيرة في توفير المياه، وبالغالب يصطفون في طوابير طويلة أمام آبار المياه، أو شاحنات توزيع المياه، أو نقل المياه في جالونات صغيرة ودلاء يدويا على خزانات أكبر موجودة أسفل منازلهم أو فوق أسطحها في عملية "أشغال شاقة" ضمن روتينهم اليومي، فيما يكافح الكثيرون في تشغيل آبارهم الخاصة بمولدات خاصة.

يعيش الحاج نصر خليل الكحلوت في عمارة سكنية، بها بئر مياه لكن نتيجة قطع الكهرباء منذ بداية الحرب، يتعاون السكان داخل البناية على استئجار مولدات لتشغيل البئر ورفعها إلى الخزانات في سطح العمارة، ويقول لصحيفة "فلسطين" فيما كان يستعد لتشغيل البئر لرفع المياه: "الأمر ليس سهلا. احضار المولد يتطلب تكلفة باهظة كما لا يوجد سيولة نقدية، بالتالي نعاني أشد المعاناة في نقل المياه لأننا نحتاجها بشكل يومي والخزانات حتما ستنفد".

وإن كان الكحلوت يجد المياه، فإن عبد الكريم محمد الذي يقطن بحي "تل الهوا" جنوب غرب مدينة غزة، يعيش بمنطقة تنعدم فيها الخدمات كافة، ويقول: "كل أربعة أيام يقوم جاران لنا أحدهم يملك طاقة شمسية والآخر يملك مولدا بتشغيل البئر لنصف ساعة، ونقوم بتعبئة المياه ونتيجة الحاجة يشهد المكان تكدسا من الناس".

مع ساعات الليل، يتحول الحي الذي كان يتميز قبل الحرب بإضاءة شوارعه ومحاله التجارية، إلى منطقة أشباح تغرق في ظلام دامس بفعل الدمار الهائل الذي لحق بالحي الذي كان الاحتلال يصنفه ضمن محور "نتساريم"، دمر خلالها خطوط الكهرباء والبنية التحتية، ويقرب محمد الصورة أكثر وهو يروي لصحيفة "فلسطين" قائلا: "في الليل يلتزم الناس أماكنهم، وتأتي الكلاب الضالة بمجموعات كبيرة، لا يوجد لدينا نقاط شحن هواتف ولا إنارة ولا حتى أي مظاهر حياة".

وألقت أزمة الكهرباء، النساء في واقع مأساوي غرقن فيه كما غرقت مدن القطاع المدمرة في ظلام دامس، فبعدما كانت النساء تغسل الملابس على الغسالات الكهربائية قبل الحرب، منذ ستة عشر شهرًا يستخدمن طرقا بدائية في غسل الملابس.

هبة الشريف وهي أم لطفلين نازحة من مدينة رفح لمدينة خان يونس جنوب القطاع، تقول عن معاناة النساء: "منذ قرابة عام ونصف تعمل الأمهات بأشغال مضاعفة نتيجة قطع الكهرباء، سواء بمعاناتي بالغسل اليومي المجهد للأعصاب، وآلام الظهر التي لا تنتهي بمسكنات ودواء، وكنا قبل الحرب نضع الملابس بالغسالة لمدة ساعة ونخرجه جاهزا بدون معاناة".

وإضافة لتلك المعاناة التي يشترك فيها مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني يعيشون في غزة، تعيش معاناة خاصة مع قطع الكهرباء، تروي لـ "فلسطين أون لاين": "لدي طفل يعاني من مشكلة صحية ويحتاج تبخيرة بين الحين والآخر، في السابق كنت أجهزها بأي وقت في البيت، الآن أفتقد ذلك وأعاني معاناة أخرى بالوصول لأقرب مشفى لإتمامها".

وتعمل الشريف صحفية، وتكمل دراستها الجامعية إلكترونيا، وتجد معاناة كبيرة في شحن حاسوبها الشخصي (لاب توب) وهواتفها، مما يجعلها تخفض إضاءة الحاسوب لكسب أكبر وقت من عمر البطارية خلال الاستخدام، وهذا له تداعيات سلبية على البصر، وأحيانا تقصر في إنجاز التكاليف نتيجة عدم شحن الحاسوب، كما لا يتوفر الانترنت مما يحرمها من فرص العمل.

وتوقفت جميع خطوط الكهرباء الإسرائيلية المغذية لقطاع غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، وبعدها بأربعة أيام (11 أكتوبر/ تشرين أول من الشهر نفسه) توقفت محطة التوليد عن العمل بسبب نفاد الوقود المخصص لتشغيلها، وبذلك قطعت الكهرباء عن غزة بالكامل ووفق شركة توزيع الكهرباء بغزة، فإن 70% من شبكة توزيع الكهرباء مدمرة.

واعتمد قطاع غزة على ثلاثة مصادر للكهرباء قبل حرب الإبادة الجماعية، المصدر الأول كان محطة التوليد وتقع بمخيم النصيرات وسط القطاع، وكانت تنتج ما بين 50-90 ميغا وات، فيما كانت مغذيات الكهرباء الإسرائيلية تتم عبر 10 خطوط بإجمالي 120 ميغا وات، بينما كان المصدر الثالث هي الخطوط المصرية التي تستفيد منها محافظات جنوب القطاع بقدرة 30 ميغا وات، في حين كانت تبلغ احتياجات القطاع ما بين 500 – 600 ميغا وات.

اخبار ذات صلة