في أحد الحقول الزراعية المفتوحة وسط قطاع غزة، يسير الخمسيني أبو زكي أبو حجير بخطوات متثاقلة خلف قطيعه الصغير من الأغنام، متنقلًا بين الأراضي المهجورة بحثًا عن طعام يسد جوعها.
لم يكن هذا حاله قبل الحرب، فقد كان يملك العشرات من رؤوس الماشية، وكانت مزرعته عامرة بالأبقار والأغنام، لكنها أصبحت اليوم مجرد ركام بعد أن دمرتها الغارات الإسرائيلية في حرب الإبادة.
يقول أبو حجير لـ "فلسطين أون لاين": "نجحت في تهريب بعض الخراف قبل أن تلتهم النيران حظيرتي بالكامل، لكن لا أعلم إلى متى سأتمكن من الحفاظ عليها. لا طعام، لا أدوية، وحتى التنقل بها أصبح خطرًا نخشى أن نطأ على قذيفة غير منفجرة أو أن يحدث انفجار مفاجئ أثناء بحثنا عن الطعام".
يتنقل أبو حجير، وهو يرتدي عمامة على رأسه وجلبابًا بني اللون شبه بالٍ، بأغنامه بين الأزقة الضيقة والمناطق الزراعية المفتوحة، محاولًا العثور على ما تبقى من نباتات يابسة، لكنه يعلم أن هذا لا يكفي.
ومع استمرار إغلاق سلطات الاحتلال للمعابر ومنع دخول الأعلاف والأدوية البيطرية، أصبح الحفاظ على هذه الثروة الحيوانية شبه مستحيل.
في مخيم النصيرات، يواجه أحمد بسيسو، مربي الأبقار، المصير نفسه. كان يعتمد على بيع الحليب واللحوم لإعالة أسرته، لكن معظم أبقاره نفقت جراء القصف، فيما تركت الحرب ما تبقى منها بدون طعام أو رعاية.
يقول بسيسو لصحيفة "فلسطين": قبل الحرب، كنت أبيع الحليب واللحوم للمحالّ والأسواق المحلية، لكن الآن حتى الأسواق لم تعد كما كانت، فالناس لم يعودوا قادرين على الشراء، والجميع يعاني".
في شرق مخيم البريج، كان سامي النباهين قد نجح في تحويل مزرعته التقليدية إلى مزرعة حديثة مجهزة بأحدث التقنيات، بفضل مشروع دعم من الإغاثة الزراعية.
كانت مزرعته حسب قوله تنتج كميات كبيرة من الدواجن، تلبي احتياجات السوق المحلي والجمعيات الخيرية، خاصة في شهر رمضان حيث يزداد الطلب بشكل كبير.
لكن كل هذا النجاح تبخر مع بدء الحرب. فقد دُمرت المزرعة، ونفقت الدواجن بسبب القصف وانقطاع الكهرباء ونقص الأعلاف، ما جعله يخسر مصدر رزقه الأساسي.
"كارثة اقتصادية"
يقول النباهين بحسرة: "خسرت كل شيء، لم يعد لدي حتى ما أُطعم به أطفالي بعد كل الجهد الذي بذلته في تطوير المزرعة، عُدت إلى نقطة الصفر. من أين سأحصل على المال لبناء المزرعة وشراء الصيصان والأعلاف؟"
تشير هذه الشهادات إلى حجم الكارثة الاقتصادية التي ضربت قطاع الثروة الحيوانية في غزة، حيث تقدر الخسائر بملايين الدولارات نتيجة تدمير المزارع ونفوق المواشي والدواجن، فضلًا عن تعطل سلاسل الإمداد ومنع دخول الأعلاف والأدوية البيطرية.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، تزداد معاناة الغزيين، إذ يشهد هذا الشهر ارتفاعًا في الطلب على اللحوم والدواجن، لكن الأسواق تعاني من نقص حاد في هذه المنتجات، مما يرفع الأسعار ويزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن قطاع غزة يشهد شحًا في الغذاء والماء والخدمات الصحية، بعد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي وقف إدخال المساعدات وقطع الماء والكهرباء.
يجدر التنويه إلى مواجهة مربي الماشية والدواجن تحديات هائلة لإعادة بناء قطاعهم، لكن دون دعم فوري من الجهات الإنسانية والمنظمات الدولية، فإن غزة مهددة بفقدان جزء كبير من أمنها الغذائي، مما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية أكبر.