يواجه مستحقو مخصصات الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة أوضاعًا مأساوية مع استمرار انقطاعها منذ ما يقارب ثلاث سنوات، حيث لم يتلقَّ المستفيدون أي دفعات مالية منذ عام ونصف قبل اندلاع حرب الإبادة، وخلال فترة الحرب دون أي توضيح رسمي من السلطة أو وزارة التنمية الاجتماعية في رام الله حول أسباب التأخير أو موعد الصرف القادم.
في المقابل، استمر صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية لمنتفعي الضفة الغربية، حيث تلقوا مستحقاتهم خلال العام الماضي ثلاث مرات، وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب استثناء الأسر المتعففة في غزة، رغم ارتفاع معدلات الفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي، خاصة في ظل الظروف القاسية التي تعيشها المنطقة نتيجة الحرب والحصار.
وسط هذه الأزمة، تتكرر معاناة آلاف العائلات التي كانت تعتمد على مخصصات الشؤون الاجتماعية، ومن بين هؤلاء الأرملة عبير أبو سلطان التي فقدت زوجها خلال الحرب الأخيرة، لتجد نفسها مسؤولة عن إعالة سبعة أفراد، بينهم طفلة مصابة بمتلازمة داون تحتاج إلى رعاية خاصة، تشمل حفاضات وأدوية ومتابعة طبية مستمرة.
تقول أبو سلطان لـ "فلسطين أون لاين": "كان وضعنا المعيشي صعبًا حتى قبل الحرب، ولكن الآن أصبح مأساويًا بكل معنى الكلمة. منزلنا قُصف بالكامل، ولم يبقَ لدينا أي مأوى سوى خيمة في أحد مخيمات النزوح، حيث نفتقد لأبسط مقومات الحياة".
وتضيف: "ابنتي الكبرى في الثانوية العامة، وتحتاج إلى مصاريف تعليمية لا أستطيع تأمينها، إلى جانب الاحتياجات اليومية الأساسية لعائلتي".
وتتابع بحرقة: "كنا نعتمد على مخصصات الشؤون الاجتماعية التي بالكاد كانت تكفينا، لكن الآن لم نستلم أي مبلغ منذ ما يقارب ثلاث سنوات. كيف لنا أن نعيش؟"
وكان عدد المستفيدين من مخصصات الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة قبل الحرب نحو 81 ألف أسرة، من بينهم 10 آلاف امرأة مطلقة وأرملة، بالإضافة إلى نحو 28 ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلًا عن نسبة كبيرة من المرضى وكبار السن. ومع تصاعد الأزمة الإنسانية، ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 95%، ما أدى إلى تفاقم معاناة آلاف العائلات التي أصبحت غير قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية، خاصة في ظل شهر رمضان وإغلاق المعابر الذي زاد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية.
في ظل استمرار الأزمة، يطالب المنتفعون السلطة في رام الله بتوضيح السبب الحقيقي وراء عدم صرف المخصصات، وإن كان السبب يتعلق بادعاء صعوبة إدخال الأموال إلى غزة، فهناك حلول بديلة يمكن تنفيذها.
"لا إرادة حقيقية"
يقول أحد المنتفعين، أبو عزام سليم: "نريد إجابة واضحة من السلطة، هل المشكلة فعلًا في إدخال الأموال؟ إذا كان الأمر كذلك، فلتقم السلطة بتحويل مستحقاتنا إلى حساباتنا البنكية، ويمكننا سحبها عبر أكواد خاصة أو عبر التطبيقات البنكية، كما هو معمول به. الحلول موجودة، لكن لا يوجد إرادة حقيقية لحل هذه الأزمة".
في السياق، قال الناطق الإعلامي باسم الهيئة المعنية بحقوق منتفعي الشؤون الاجتماعية، صبحي المغربي: "نحن اليوم أمام واقع كارثي، حيث يعاني آلاف الأسر الفقيرة في غزة من الجوع والحرمان دون أي تدخل يُذكر من السلطة. لم تُصرف مستحقات الشؤون الاجتماعية منذ ما يقارب ثلاث سنوات، رغم أن هذه المساعدات هي حق أساسي لهذه الفئة الهشة".
وأضاف لـ "فلسطين أون لاين": "المنتفعون في غزة تُركوا وحدهم في مواجهة الظروف الصعبة، في حين استمرت السلطة في صرف المخصصات لمنتفعي الضفة الغربية ثلاث مرات خلال العام الماضي. لماذا هذا التمييز؟ ولماذا يُحرم الفقراء في غزة من حقوقهم في الوقت الذي يعاني فيه القطاع من أزمة إنسانية غير مسبوقة؟"
وأكد المغربي أن العديد من الأسر التي كانت تعتمد على هذه المخصصات أصبحت اليوم بلا مصدر دخل، وقال: "نتحدث عن عشرات الآلاف من الأسر التي لم يعد لديها حتى القدرة على شراء رغيف الخبز. الأسر التي كانت تنتظر هذه الدفعات بفارغ الصبر لتأمين الحد الأدنى من المعيشة باتت اليوم تواجه الجوع حرفيًا. كيف يمكن لهم أن يعيشوا دون أي دعم، بينما ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني؟ حتى المائة شيقل لم تعد تكفي العائلة لأكثر من يومين في ظل هذا الغلاء الفاحش".
وطالب المغربي السلطة ووزارة التنمية الاجتماعية بتحمل مسؤولياتهما تجاه هذه الفئة المهمشة، قائلًا: "لا يمكن السكوت أكثر على هذا الظلم. نريد إجابة واضحة من المسؤولين: لماذا لا يتم صرف مستحقات غزة؟ وإذا كانت هناك أسباب، فليتم توضيحها للرأي العام. نحن لا نطالب سوى بحقوقنا، ولن نقبل باستمرار هذا الإهمال. وعلى الجهات الدولية والمؤسسات الإنسانية التدخل الفوري لإنقاذ هذه العائلات من الموت البطيء".
وأشار إلى أن الهيئة ستواصل جهودها للمطالبة بصرف المستحقات، داعيًا الجميع إلى التكاتف من أجل الضغط على الجهات المسؤولة لحل هذه الأزمة الإنسانية.