في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان، يجلس الشقيقان أنس وحمودة العرايشي (22، 21 عامًا) حول مائدة إفطار بسيطة في منطقة الكرامة شمال غزة، ينتظران أذان المغرب بقلوب مليئة بالشوق. وجبة الطعام تفتقد نكهة أطباق والدتهما التي كانت تملأ البيت برائحتها المميزة في رمضانات الماضي. "كنا ننتظر هذا الشهر لنستمتع بأكلات أمي، لكن اليوم المائدة خالية، وعقولنا مليئة بالحيرة"، يقول أنس.
والدتهما غادرت القطاع الساحلي مع طفلين خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، ساعية إلى لمّ شمل العائلة بمصر. لكن إغلاق معبر رفح حال دون تحقيق ذلك، تاركًا الأسرة مشتتة بين غزة ومصر. اليوم، يعيش أنس وحمودة مع والدهما، يفتقدون أجواء رمضان التي كانت الأم تزينها بحضورها الدافئ وأطباقها اللذيذة.
آلاف العائلات تعاني بسبب الإغلاق
لم يؤدِّ إغلاق معبر رفح إلى عرقلة دخول المساعدات فحسب، بل تسبب أيضًا في تمزيق آلاف العائلات الفلسطينية، خاصة مع حلول شهر رمضان، الذي يفترض أن يكون شهر التجمعات العائلية. حمودة العرايشي، الذي يعيش مع شقيقه أنس ووالدهما، يقول: "رفضنا التوجه إلى جنوب قطاع غزة في الأشهر الأولى من الحرب ظنًا أنها ستنتهي قريبًا، لكننا اضطررنا إلى ذلك في النهاية لنسافر عبر معبر رفح. لكن عندما وصلنا إلى هناك، أغلقت (إسرائيل) المعبر. اليوم، بعد وقف إطلاق النار، عدنا إلى بيتنا، لكنه يخلو من روح البيت وشقاوة إخوتي الصغار."
أم يوسف (42 عامًا) تعيش معاناة أخرى. سافرت من منطقة "الصفطاوي" إلى مصر مع أسرتها المكونة من 8 أفراد راجية العودة سريعًا إلى غزة بعد وقف إطلاق النار، لكن إغلاق المعبر جعلها عالقة بعيدًا عن أهلها. "رمضان ليس كما كان. كنت أستعد له مع أخواتي وأقربائي، والآن أنا بعيدة عنهم، ولا أعرف متى سأعود"، تقول أم يوسف بأسف.
والحال نفسه بالنسبة لمعاذ قشطة (47 عامًا)، الذي بقي في رفح، يكتفي بإرسال قبلاته إلى أطفاله الخمس عبر كاميرا الفيديو المباشر، معبرًا عن شوقه لهم، خاصة طفلته الصغيرة التي ولدت في مصر بعد أن أرسل عائلته إلى هناك مع بدء الاجتياح البري للقطاع. "كنت أحلم بأن نجتمع في رمضان، لكنني اليوم أتناول إفطاري عند والدتي المسنة، وأحيانًا أكتفي بسندويشات بسيطة بالخارج".
احتلال معبر رفح يعمّق الأزمة
في 7 مايو 2025، احتل جيش الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح البري خلال اجتياحه لمحور "فيلادلفيا"، مما أدى إلى إغلاقه بشكل كامل ومنع سكان غزة من السفر. يعد المعبر المنفذ البري الوحيد لسكان غزة إلى العالم الخارجي، وإقفاله منذ ذلك الحين زاد من معاناة عشرات الآلاف الذين تقطعت بهم السبل في الخارج، إضافة إلى آلاف العائلات التي تنتظر لمّ شملها.
يأتي ذلك في ظل المنع الإسرائيلي المستمر على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ أسبوعين، حيث تعيق قوات الاحتلال وصول المواد الغذائية والطبية عبر المعبر، ما يفاقم الأزمة الإنسانية لسكان غزة الذين يواجهون ظروفًا معيشية متدهورة.
سافر أكثر من 80,000 فلسطيني من غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب، معظمهم عبر معبر رفح إلى مصر ودول أخرى، بحسب بيانات السفارة الفلسطينية في القاهرة. ومع ذلك، فإن كثيرين منهم يعانون من صعوبات قانونية ومعيشية، حيث يواجهون تحديات في الحصول على الإقامة والعمل والتعليم والرعاية الصحية.
"غادرت غزة مع زوجي خوفًا على حياة أطفالنا، لكننا الآن نعيش في ظروف صعبة. لا عمل ولا دخل ثابت"، تقول أم محمد، التي تقيم بالقاهرة.
مع استمرار التهديدات الإسرائيلية باستئناف الحرب، يعيش الفلسطينيون في الخارج في قلق دائم على أهلهم. "كل يوم نخشى أن نسمع خبرًا عن اندلاع حرب جديدة. نحن بعيدون عن أهلنا، ولا نستطيع حمايتهم أو حتى رؤيتهم"، يقول خالد الدنف في ماليزيا.
في المقابل، تحلم آلاء مصباح، فلسطينية من غزة متزوجة في المغرب، بيوم قريب تنتهي فيه هذه المأساة. "نريد أن نراهم يعيشون بسلام، دون خوف من الحرب أو الحصار"، تقول بأسى.