استعرضت صحيفة "هآرتس" العبرية، مجموعة أزمات تبدد حلم اليمين المتطرف برئاسة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في احتلال قطاع غزة استئناف القتال، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة.
ويوضح المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل، في مقال تحليلي، أن حلم اليمين المُتطرف في إسرائيل بشأن الاستيطان في غزة وطرد الفلسطينيين، يتبدد في الوقت الذي يفضل الجمهور الإسرائيلي صفقة المحتجزين، حتى على حساب إنهاء الحرب، كما أن المفاوضات السرية التي تجريها الولايات المتحدة مع حماس تعكس أن ترامب يعطي الأولوية للتوصل إلى اتفاق على حساب إعادة الاستيطان في القطاع الفلسطيني.
وأشار إلى وزير المالية اليميني المتطرف في حكومة إسرائيل، بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا في مقابلة على هيئة البث العام الإسرائيلية "كان"، أمس الاثنين، جنود الاحتياط في جيش الاحتلال للاستعداد لاستدعائهم مرة أخرى في المستقبل القريب؛ لأن إسرائيل ستستأنف قريبًا الحرب على غزة، حسب ذكره.
وحسب الصحيفة، أصبحت الأمور الآن أكثر تعقيدًا بالنسبة لسموتريتش، فعندما يبدو أن الإدارة الأمريكية تقترح طريقًا قد يؤدي إلى إنهاء الحرب وإعادة المحتجزين الـ59 المتبقين، الأحياء منهم والأموات من غزة، فيبرز السؤال حول مدى قدرة سموتريتش على الاحتفاظ بدعم جماهيري، ومن جنود الاحتياط في ظل المتغيرات السياسية الحالية.
التهرب من الخدمة أبرز العراقيل
وفي السياق، تشير "هآرتس" إلى أن استطلاعات الرأي كافة أظهرت أن نحو 70% من الإسرائيليين يؤيدون إتمام صفقة المحتجزين، حتى ولو استلزم ذلك تقديم تنازلات كبيرة لحماس.
وللمرة الأولى، وفق الصحيفة، يبدو أن هناك احتمالًا بأن بعض جنود الاحتياط لن يعودوا إلى الخدمة إذا كان استئناف القتال مثيرًا للجدال.
وكشف المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل عن تقديرات مصدرها جيش الاحتلال تشير إلى أن نصف قوات الاحتياط في بعض الوحدات لم تلتحق بالخدمة مؤخرا، بينما يحاول الجيش التعتيم على هذه المشكلة، في ظل معارضة 70% من الجمهور الإسرائيلي لعودة العمليات العسكرية، وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة.
ويقول "في العديد من الوحدات العسكرية، لم يحضر سوى حوالي نصف الجنود إلى الخدمة في المدة الأخيرة، وفقا لتقديرات عسكرية، وهو ما يعكس تراجع الحماسة للحرب مع مرور الأشهر. هذا التطور يضع القيادة العسكرية والسياسية في موقف صعب، إذ يتعين عليها إقناع الجنود بالعودة إلى ساحة المعركة في ظل جدل متزايد حول جدوى استمرار العمليات".
وذكرت "هآرتس" أن الحديث السياسي حول استئناف الحرب بين سموتريتش وأمثاله يظهر تجاهلًا شاملًا للعبء الذي يتحمله كل من جنود الاحتياط والجيش النظامي.
وقالت الصحيفة إن وزراء حكومة نتنياهو يتجاهلون هذا الأمر ببساطة، ويعتقدون أن الرؤية المشبوهة المتمثلة في إعادة إنشاء المستوطنات في غزة وطرد الفلسطينيين منها، وهي الهدف الحقيقي لليمين المتطرف في الحرب، سوف تبرر أي تضحية في نظر أغلب الجنود.
وتشير هآرتس إلى توقع داخل الجيش بأن يزداد العبء على القوات النظامية على وجه الخصوص، في ضوء متطلبات الحرب في غزة، والحاجة إلى تعزيز الأمن على الحدود لمنع هجوم آخر مثل هجوم 7 أكتوبر 2023، والمطالب الجديدة الناجمة عن قرار إبقاء القوات في الدول المجاورة، جنوب لبنان والجانب السوري من جبل الشيخ ومرتفعات الجولان.
ولا ينسى المحلل العسكري الإشارة إلى مشكلة أخرى تتمثل في ملف تجنيد المتدينين اليهود (الحريديم)، لافتا إلى الأزمة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي، لأن المستوى السياسي الحالي لا ينوي إلغاء الاتفاق السياسي مع الأحزاب الحريدية، والذي يضمن استمرار تهرب هذا القطاع من الخدمة العسكرية.
ولفتت "هآرتس" إلى أن الحلول التي يقترحها الجيش، مثل إنشاء لواء من الحريديم، لا تصمد أمام أي نقاش، مشيرة إلى عدم حدوث أي تغيير ملموس في عدد الرجال المتدينين المتشددين الذين ينضمون إلى الجيش حتى الآن.
ومن جانب أخر، فسرت "هآرتس" الخطوة الأمريكية الأخيرة، المتمثلة في إنشاء قناة خلفية سرية للمفاوضات مع حماس عبر مبعوث ترامب للمحتجزين، آدم بوهلر، بأن الرئيس الأمريكي لا يزال يأمل في التوصل إلى اتفاق، وربما لا يعتقد أن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي إعادة احتلال إسرائيل لغزة.
وأوضحت أن ترامب يواصل تهديد حماس بالقول إنه سيدعم التحركات العسكرية الإسرائيلية المؤلمة، لكنه لا يقف في طريق الاتفاق على صفقة لتحرير بقية المحتجزين.
وقالت الصحيفة: "في واقع الأمر، إذا كان ترامب يسعى إلى التوصل لاتفاق مع حماس، فإن التهديد العسكري الإسرائيلي المقنع يخدم أغراضه بالفعل". وأشارت إلى تصريح مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أمس الاثنين، الذي أكد أن الأمر يتطلب تحديد موعد نهائي لإنهاء المفاوضات.
ولفتت "هآرتس" إلى أن المقترحات الأمريكية، وكذلك الخطة المصرية لغزة ما بعد الحرب التي ناقشتها القمة العربية في القاهرة الأسبوع الماضي، لا تزال تدور حول الحلول نفسها، وهي وقف إطلاق النار، وإعادة كل المحتجزين، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، وإعادة إعمار القطاع.
وقالت الصحيفة: "يواصل رجال ترامب إثارة فكرة تخلي حماس عن سلطتها المدنية في غزة، ولم ترفض الحركة بشكل قاطع".
وختم هرئيل بالقول "من المهم للأميركيين الحفاظ على وقف إطلاق النار وأن يبدأ مزيد من المختطفين في العودة إلى ديارهم، حتى لو كان ذلك على مدى فترة من الزمن، وأمام عينيهم مثال آخر ناجح نسبيا لاتفاق صمد حتى الآن، رغم كل الانتهاكات والعقبات، وهو وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان".