جولة يومية تقوم بها السيدة هاجر عيد إلى سوق النصيرات بحثًا عما يمكن أن تطهوه لأسرتها المكونة من عشرة أفراد على مائدة الإفطار، لتصطدم بحقيقة انقطاع اللحوم بأنواعها وتناقص المعروض من الخضار يوميًا وارتفاع أسعاره.
وتجد عيد نفسها مضطرة في النهاية إلى الاتجاه نحو "بسطات المعلبات"، رغم أنها وعدت أسرتها قبيل رمضان بألّا يروها نهائيًا على وجبة الإفطار الرمضانية، وأنها ستعوّضهم عن قرابة عام ونصف من الحرب، كانت المعلبات فيها طعامهم الأساسي.
وتقول لـ "فلسطين أون لاين": "حلّ علينا شهر رمضان، ودخلت التهدئة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي حيّز التنفيذ، فاستبشرنا خيرًا بأن رمضان هذا العام سيكون مختلفًا عن سابقه في زمن الحرب، وسنستعيد بعضًا من طقوس هذا الشهر الفضيل كما كانت قبل الحرب".
وتستدرك قائلةً: "لكن نهاية هذا الأمل كانت أسرع مما توقعنا، فقد أغلق الاحتلال المعابر ونفدت السلع من الأسواق، وما بقي تضاعفت أسعاره. لم نذق اللحوم سوى في الأيام الثلاثة الأولى من رمضان، أما الآن، فحتى الخضار شحيحة ومرتفعة السعر جدًا، خاصة لأسرة كبيرة مثل أسرتي".
ولم يكن الحال أفضل لدى السيدة هدى أبو عودة، التي تعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، إذ تقول: "عندما دخلت الهدنة حيّز التنفيذ، وعدت أبنائي بأن ينسوا تمامًا الأرز والمعكرونة والعدس وعلب 'اللانشون' والتونة والسردين، وأنني سأعوّضهم عن أيام الحرب وأعدّ لهم الأصناف التي يحبونها".
وقد خصصت أبو عودة مبلغًا من المال ظنته كافيًا لمصروف شهر رمضان، خاصة في ظل الانخفاض الكبير في أسعار السلع قبل بدايته، وتضيف: "كانت الأسعار قد شهدت انخفاضًا ملحوظًا، فأعددت حساباتي بحيث أتمكن من صنع أصناف مميزة كـ'الفتة' و'الكبسة' عدة مرات، وفي باقي الأيام سأطبخ بعض الأكلات مثل الفول الأخضر والبامية".
وكان أبناؤها يترقبون حلول رمضان ليستمتعوا بالطعام الذي ستعدّه والدتهم، لكنها اليوم تجوب السوق طولًا وعرضًا بحثًا عما يمكن أن تطهوه بسعر مناسب دون جدوى، مضيفةً: "البطاطا مثلًا أصبح سعر الكيلو منها خمسة وعشرين شيكلًا، والليمون كذلك، أما رأس الملفوف الأخضر فبعشرة شواكل، فأي طبخة – ولو بدون لحم – ستكلفني أكثر من مئة شيكل؟!".
وقد وجدت أبو عودة نفسها مضطرة للعودة إلى ما استلمته من "الكوبونات" لتعدّ منها وجبة الإفطار لعائلتها، فتارة تطهو العدس الأصفر، وأخرى العدس البني، وثالثة المعكرونة، ورابعة الأرز بدون لحم، وخامسة تعدّ معجنات بلحم "اللانشون"، قائلةً: "هي الأطباق ذاتها التي تناولناها خلال فترة الحرب دون أي تغيير".
فيما لجأ "أبو حمزة" إلى الاعتماد بشكل كلي على الطعام الذي تعدّه "تكية خيرية" بالقرب من منزله، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية وندرتها في الأسواق. ويقول: "راتبي لا يتجاوز الألف شيكل، فكيف لي أن أشتري الخضراوات يوميًا، ولا يوجد أي صنف يقل سعر الكيلوغرام منه عن عشرة شواكل؟!".
ويضيف: "ومع انقطاع غاز الطهي ووصول سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى مئة وعشرين شيكلًا، فإنني مضطر إلى شراء الحطب بكميات كبيرة كي نعدّ الخبز، خاصة مع إغلاق المخابز أيضًا".
ويتابع: "الوضع الاقتصادي الآن صعب جدًا، فكل شيء غير متوافر، وإن وُجد، فبأسعار باهظة جدًا، لذلك يعتبر التفكير في وجبة إفطار رمضانية تشبه ما كنا نتناوله قبل الحرب أمرًا من الترف الذي لا أستطيع حتى التفكير فيه، فكيف بتوفيره؟!".
يُشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام دخول البضائع إلى قطاع غزة لليوم التاسع على التوالي، في خرق واضح لاتفاق التهدئة الموقع بينها وبين المقاومة في غزة، ما ألقى بظلال سلبية على كافة مناحي الحياة في شهر رمضان الفضيل.