لا يلمس أهالي قرية رنتيس، شمال غربي مدينة رام الله، خطواتٍ عملية أو مساندةً حكوميةً في مواجهة الهدم والاستيطان الإسرائيلي المتسارع على حساب أراضيهم الحدودية بين الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948.
لذلك، يشعر أهالي القرية بالعزلة وهم يحاولون الحفاظ على معالمها الأثرية وثرواتها الطبيعية، في ظل الحديث المتسارع عن "خطة الضم" الإسرائيلية، دون حراك من مقر رئاسة السلطة (المقاطعة) في رام الله.
وتتمتع القرية الفلسطينية بأهمية اقتصادية؛ إذ تحتوي على كميات ضخمة من الغاز والنفط الطبيعي، كما تضم أماكن ومعالم أثرية قديمة.
وبدأ الشك يساور الحاج عمار صالح بشأن ترك السلطة القريةَ وحيدةً في مواجهة الخطة الإسرائيلية، بعدما فقدت آلاف الدونمات من أراضيها إبّان احتلال عام 1967، فضلًا عن تهجير غالبية سكانها.
ويقول صالح (65 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "لا منطق ولا عقل يقبل أن تُترك قرية زراعية بهذه الخيرات والثروات وحيدةً!" أمام جيش ومستوطنين مدعومين حكوميًا.
ودلّل على الدعم الإسرائيلي المتزايد لأعمال الاستيطان في البؤرة "حفات أفيحاي" المقامة على أراضي القرية، والتي تركتها السلطة منذ زمن طويل فريسةً لـ"وحش" المخططات الاستيطانية.
وأمام ذلك، لا يرى المزارع خيارًا سوى تمسك الفلسطينيين بأرضهم والدفاع عنها، موصيًا أبناءه وأحفاده بالحفاظ على مئات الدونمات الزراعية التي يعود عمر بعضها إلى أكثر من قرن.
وقديماً، كانت مساحة أراضي القرية نحو 36 ألف دونم، وعقب الاحتلال الكامل لأراضي الضفة والقدس، تقلصت إلى نحو 9 آلاف دونم.
وأجبرت العصابات الصهيونية آنذاك نحو 9 آلاف نسمة من سكان القرية على الهجرة قسرًا، فيما يبلغ تعداد سكانها حاليًا أكثر من 4 آلاف نسمة، يتبعون لمجلس قروي رنتيس.
وبحسب المزارع محمد شحيبر، فإن القرية لا تواجه الاستيطان الرعوي فقط، بل تواجه توسعًا استيطانيًا متسارعًا عبر عدة أشكال، منها: إقامة المستوطنين للكسّارات، وإنشاء مكبات النفايات العشوائية، وشقّ الطرق الاستيطانية.
ويزيد من غضب شحيبر (40 عامًا) إهمال السلطة للقرية وسكانها، وتركها وحيدة أمام اعتداءات الجيش والمستوطنين الممنهجة، وصولًا إلى قرارات الهدم.
ويذكر أن موسم قطف الزيتون في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 شهد اعتداءات يومية من المستوطنين على المزارعين وأراضيهم، ومنعهم من الوصول إليها، أو حرقها تحت حماية جيش الاحتلال.
وكان آخر تلك الاعتداءات، يوم الجمعة الماضي، حين أقدم جنود الاحتلال على طرد عائلات من منازلها في القرية.
وأفاد شحيبر بأن الجنود اعتدوا جسديًا على أفراد أسرته، وقاموا بتجريف وتمزيق الخيام والمعرّشات السكنية دون سابق إنذار.
ووفقًا لرواية المواطن عبد الله راضي، فإن جيش الاحتلال هدده بهدم مزرعته – إذا لم يهدمها بنفسه – قبل أن يعتدي على أسرته بالقنابل الحارقة وأعقاب البنادق العسكرية.
ويستحضر صاحب مزرعة لتربية المواشي في القرية تهديد الجيش لسكان القرية بالنص: "سنستولي على بيوتكم وأراضيكم ومزارعكم بالقوة".
ويتساءل: "أين سنذهب؟ هل ترك لنا الجيش والمستوطنون مكانًا للعيش في أنحاء الضفة؟".
ومن وجهة نظر راضي، "لو كان هناك دعم أو خطوات فلسطينية، لما وصلت القرية إلى هذا الحال"، موصيًا بضرورة تسليط الضوء الإعلامي على القرية والمخاطر المحدقة بها.
وسبق أن صادرت حكومة الاحتلال نحو 27 ألف دونم لصالح جدار الفصل العنصري، ثم حقوق التنقيب عن النفط والغاز، وأخيرًا لإنشاء منشآت لحفر وتنقيب الغاز والنفط.
"العمق الاستراتيجي"
وتعليقًا على ذلك، قال رئيس مجلس قروي رنتيس، ماجد خلف، إن الاعتداءات الإسرائيلية على القرية قديمة ومتجددة، خاصة أنها تشكل فاصلةً بين الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948.
وذكر خلف لـ"فلسطين" أن موقع القرية جعلها محط أطماع حكومة الاحتلال، التي تشرعن البؤر الاستيطانية الرعوية وتدعم الاعتداءات المتكررة عليها.
وبحسبه، فإن تلك الاعتداءات الوحشية، وقرارات الطرد والمصادرة، تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة في ظل الحديث عن "خطة الضم".
وهنا، تطرق إلى تكامل الأدوار بين الجيش، الذي يستهدف القرية بالتدريبات العسكرية، والمستوطنين في بؤرة "حفات أفيحاي"، التي أقيمت على أراضي القرية منذ عامين، بالإضافة إلى شق الطرق الالتفافية والاستيطانية، وإقامة مكبات النفايات العشوائية.
ولفت إلى تهديد جيش الاحتلال، الأسبوع الجاري، لعشرات العائلات والمزارعين شمال القرية بهدم بيوتهم والاستيلاء على أراضيهم الزراعية.
وخلال السنوات الماضية، صادر جيش الاحتلال عشرات الدونمات الزراعية، بحسب رئيس المجلس القروي، الذي وصف تلك الأراضي بـ"العمق الاستراتيجي" للقرية، التي كانت وما زالت محط أطماع إسرائيلية حكومية.
وأمام هذه التحديات، أكد خلف أن أهالي القرية سيلجؤون إلى الخطوات القانونية واللجان الشعبية للدفاع عن أراضيهم وحمايتها من التوسع الاستيطاني.
وبحسب منظمة "كيرم نيفوت" الحقوقية الإسرائيلية، فإن أوامر الهدم الأخيرة للمباني السكنية والزراعية في قرية رنتيس، ليست عشوائية.
وذكرت المنظمة أن محاولة طرد الفلسطينيين مرتبطة بالبؤرة الاستيطانية العشوائية، "وهذا مثال فظ آخر على تفكك الجيش وتحول أجزاء منه إلى ميليشيات تعمل وفق أجندة مستقلة في خدمة المستوطنين الأكثر عنفًا وتطرفًا".
وخلال عام 2024، أدت إجراءات الاحتلال إلى تهجير 7 تجمعات فلسطينية، تتكون من 34 عائلة يبلغ عدد أفرادها 215 شخصًا، إضافة إلى 22 تجمعًا بدويًا فلسطينيًا، تتكون من 277 عائلة تضم 1707 أفراد، تم تهجيرهم قسرًا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقًا لتقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.