أغلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عينيه عن قضية جثامين الشهداء الذين يحتجزهم الاحتلال في ثلاجات الموتى ومقابر الأرقام، بعضها منذ عقود وسنوات طويلة، ولم يرَ أمامه سوى قضية جثامين أسرى الاحتلال الذين قتلوا في قطاع غزة بصواريخ الطائرات الإسرائيلية التي تعمدت استهداف مكان احتجازهم، في ازدواجية معايير دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على اتباعها بانحيازها للاحتلال وإطلاق الضوء الأخضر لممارسة الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ومد الاحتلال بالدعم المادي والعسكري لارتكاب المجازر.
وفي وقت يصف ترامب من يحتجز الجثامين الإسرائيلية بـ"المختلين"، لم يوثق التاريخ البشري أن قامت أي جهة أو دولة باستكمال محكومية الأسير بعد استشهاده بمقابر الأرقام، إلا الاحتلال الإسرائيلي في قضية تكشف عن أسوأ ممارسة فاشية في العالم يحاكم فيها الأموات، وتحرم عائلاتهم من تشييعهم ودفنهم.
وبحسب الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين، يحتجز الاحتلال جثامين 665 شهيدًا في مقابر الأرقام وثلاجات الاحتلال، بعضهم منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وآخرهم شهداء مخيم الفارعة مساء أمس الأربعاء.
ووفق الحملة، من بين الشهداء المحتجزة جثامينهم، 259 شهيدًا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في تشرين الأول/أكتوبر 2023، و67 شهيدًا من الحركة الأسيرة، و59 شهيدًا من الأطفال تقل أعمارهم عن 18 عامًا، و9 شهيدات من النساء.
وأكدت الحملة أن هذه الأرقام لا تشمل الشهداء المحتجزة جثامينهم في قطاع غزة، حيث لا تتوفر معلومات دقيقة حول أعدادهم، مشيرة إلى أن مصادر عبرية تحدثت عن أن الاحتلال يحتجز جثامين أكثر من 1500 شهيد في معسكر سدي تيمان.
جثامين محتجزة
ولم تشفع 26 سنة أمضاها الأسير الشهيد سعدي خليل الغرابلي داخل سجون الاحتلال، ولا سنه البالغ 76 عامًا لحظة استشهاده، ولا مرض السرطان الذي انتشر في جسده نتيجة بيئة السجن القاسية، لإعادة جثته إلى عائلته بمدينة غزة بعد استشهاده عام 2021 إثر مضاعفات صحية واستشراء مرض السرطان في جسده، لينقل جثمانه إلى مقابر الأرقام لإكمال محكومية المؤبد.
يقول نجله عصام الغرابلي لـ "فلسطين أون لاين": "أمنيتنا أن يفك الاحتلال القيد عن جثمان أبي، ونشيعه وندفنه في أرضه، وهذا حقه كما بقية الأموات في هذا العالم".
أثارت تصريحات "ترامب" سخرية الغرابلي لحظة نشر تهديده، لافتًا إلى أن الاحتلال يحتجز جثامين الشهداء منذ السبعينات، ويهدم المستشفيات والمدارس والمساجد.
وأردف في رده: "(إسرائيل) صاحبة الاختلال الأكبر في تاريخ البشرية، وطبيعي أن نسمع من ترامب الذي يعلن تأييده المطلق للاحتلال هكذا تصريحات منحازة".
وأضاف: "(إسرائيل) تصنع ما لا تصنعه البشرية، قتلت في مجزرة المشفى المعمداني 500 شخص معظمهم نازحون، وتعتبر نفسها فوق القانون والبشرية، ومارست كل أنواع الإبادة والظلم أمام الكاميرات".
وقبل استشهاده، مارس الاحتلال موتًا بطيئًا على والده بالإهمال الطبي، يوضح: "بيئة السجن أثرت على والدي، لأن إدارة السجن رفضت علاج التهابات البروستاتة، فتحولت فيما بعد إلى خلايا سرطانية انتشرت في جميع أنحاء جسده، وكانوا يعطونه فقط حبة مسكن (أكمول)".
ويعد الأسير أنيس دولة أقدم أسير يحتجزه الاحتلال، وهو من مواليد عام 1944 من قلقيلية، اعتقل عام 1968، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وكان يعاني من عدة أمراض منها مرض القلب، استشهد عام 1980 في سجن عسقلان، وحتى الآن تحتجز سلطات الاحتلال رفاته وهو أقدم الأسرى المحتجزة جثامينهم.
ومن جثامين الأسرى المحتجزة، الأسير فارس بارود من غزة، الذي أمضى في سجون الاحتلال قبل استشهاده 28 سنة حيث تعرض لسلسلة من الجرائم، وكان أبرزها جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، إضافة إلى احتجازه في العزل لسنوات طويلة داخل زنازين لا تصلح للعيش الآدمي، التي تسببت بإصابته بعدة أمراض، وأدت في النهاية إلى استشهاده في 6 فبراير/شباط 2019. علمًا أن الأسير بارود من الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو ورفض الاحتلال الإفراج عنه وهو محكوم بالسجن المؤبد و35 سنة.
ازدواجية معايير
بدوره، قال منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء حسين شجاعية إنه "لا بد من كل سياسي أو رئيس دولة يتحدث عن جثامين الإسرائيليين المحتجزين في غزة، أن يتحدث أيضًا عن جثامين الشهداء المحتجزين في مقابر وثلاجات الاحتلال منذ عشرات السنين، في انتهاك صارخ لكافة الأعراف والمواثيق الدولية التي تنظم هذه المسألة".
وأضاف شجاعية لـ "فلسطين أون لاين" بأن "قضية جثامين الشهداء فيها فاشية ونازية من حيث المبدأ باحتجاز الجثامين، وحرمان العائلات من الدفن والوداع اللائق بأن يكون للجثامين قبر يزوره الأهالي، وصعد الاحتلال عدوانه، بالتنكيل بالشهداء أثناء نقلهم، ورأينا ذلك بعملية رميهم بشاحنات على معابر القطاع، وكيف تدوس الجرافات الجثامين إضافة لسحلهم بالشوارع أو إلقائهم من أسطح المنازل كما حدث بالضفة".
وعن ازدواجية المعايير في خطاب ترامب، أكد أن ازدواجية المعايير مشكلة كبيرة في كل قضايا الشعب الفلسطيني، فحين تتعلق القضية بفلسطين فإن العالم يغض الطرف عن هذه القضايا وتسكت الألسنة، أما عندما تتعلق بالاحتلال فتسمع الأصوات العالية والتنديدات والمؤسسات الدولية بهذه القضية، وهذا لا يتعلق فقط بقضية الجثامين المحتجزة، بل في كافة القضايا كالاستيطان والأسرى وغيرها.
ورأى أن الاحتلال يحاول السيطرة على الفلسطيني حيًّا بالاعتقال والتنكيل والحواجز وكافة الظروف التي يعيشها الشعب، وميتًا باحتجاز جثامين الشهداء وحرمان العائلات من تشييعهم، مشيرًا إلى أن الحملة وثقت احتجاز 665 شهيدًا بالاسم وكافة التفاصيل والمعلومات عنهم، مع وجود معلومات تتعلق باحتجاز الاحتلال لأكثر من 1500 جثمان في برادات ضخمة داخل معتقل "سديه تيمان" بظروف غير إنسانية.
في وقت، طالب المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسريًا بالإفراج الفوري عن كافة الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال وتمكين ذويهم من دفنهم بكرامة وفقًا للعادات والتقاليد الدينية والإنسانية، مشددًا على أن المطلوب هو محاسبة (إسرائيل) دوليًا على جرائمها المتعلقة باحتجاز الجثامين والإخفاء القسري.
وأكد المركز في بيان وصل "فلسطين أون لاين" نسخة منه، أن جريمة احتجاز الجثامين تفضح الموقف الدولي المتخاذل الذي يتغاضى عن انتهاكات (إسرائيل) الصارخة للقانون الدولي في الوقت الذي يهدد فيه ترامب غزة بالإبادة، والأجدر أن يُطبق نفس المعايير على (إسرائيل) التي تحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين منذ عقود.