مع بداية حرب الإبادة الإسرائيلية نزحت عائلة محمد حلس قسرا من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة نحو دير البلح وسط قطاع غزة، هربا من الموت الذي كان يلف المدينة من كل مكان، حيث صواريخ الاحتلال لم ترحم لا بشرا، ولا شجرا، ولا حجرا.
منذ البداية رفض الابن سلمان (٣١ عاما) فكرة النزوح، ودائما ما كان يشكو البعد عن غزة، ويلح على أبيه بالعودة إليها، ولكن الأب الذي لم يمض على نزوحه سوى 10 أيام طلب التريث لئلا يقع ضحية لعنف الاحتلال.
لم يترك سلمان فكرة العودة إلى حي الشجاعية، حيث ترك عائلته وعاد أدراجه إلى مدينته قبل أن تفقد آثاره، في بداية الأمر لم تكن هناك حواجز إسرائيلية، وكانت هناك إمكانية في الذهاب والاياب بين شمال القطاع وجنوبه.
مكث سلمان عدة أشهر ينزح من مكان إلى آخر، حتى نزح النزوح الأخير، يروي والده محمد لصحيفة "فلسطين" آخر مكالمة جمعته بنجله قبل فقد الاتصال به: "مع اجتياح الشجاعية واشتداد القصف عليها، لجأ واحتمى سلمان مع النازحين في مستشفى الشفاء".
ويتابع: "عند اقتحام الاحتلال الاسرائيلي مجمع الشفاء الطبي للمرة الثانية في الثامن عشر من مارس للعام 2024، اتصل بي سلمان وأخبرني أنه محاصر مع المحاصرين في المستشفى".
ويضيف حلس: "منذ ذلك التاريخ فقدت الاتصال بسلمان فلم نجد أي معلومة عن مصيره حي أم ميت لمدة ستة أشهر من فقده".
أصبح الأب يبحث عن طرف خيط يوصله لمعرفة مصير نجله سلمان، تواصل مع المؤسسات الدولية، وذات العلاقة بالأسرى منها الصليب الأحمر، ومؤسسة الضمير، وهيئة شئون الأسرى، ولكن كان الرد الدائم "لا يوجد له اسم".
لم يتوقف بحث حلس عند هذا الحد بل بات ينتظر الأسرى الذين كان يفرج عنهم الاحتلال الاسرائيلي من سجونه إبان حرب الإبادة قبل توقيع اتفاق وقف العدوان على غزة في يناير/كانون الثاني.
يقول حلس لم أترك بيت أسير محرر أعرفه أو لا أعرفه إلا وذهبت إليه مهنئا اياه بالتحرر، وسؤاله عن سلمان، خاصة أسرى حي الشجاعية، حدثه بعضهم أنه قابل سلمان أثناء ترحيلهم من غزة إلى سجن في محيطها".
ويستطرد: "ومع خروج كل دفعة أسرى أسالهم عن سلمان، حتى أخبرني أحدهم أنه تم نقله إلى سجن عوفر، ومن ثم كيشون الجلمة".
ويكمل حلس: "في كل مرة أعرف فيها معلومة كنت أخبر بها هيئة شئون الأسرى، لكي يبحثوا ويتأكدوا من تلك المعلومات، أو يتبينوا أي دليل على وجود اسمه بين الأسرى".
ويشير إلى أنه مؤخرا أبلغته هيئة شئون الأسرى باحتمال وجود نجله في سجن كيشون الجلمة، وطلب من المحامين زيارته من أجل التأكد والاطمئنان على صحته، ولكن طلبهم يقابل بالرفض لأن الاحتلال يحجب الزيارة عن كل الأسرى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول للعام 2023م.
وما يزال حلس يواصل جهوده بمناشدة الجهات الدولية، والمحلية التي تعنى بالأسرى من أجل إيجاد إشارة حياة من تؤكدها إدارة سجون الاحتلال بأن ابنه سلمان المفقود من بين الأسرى، كي تبرد نار قلبه.