فلسطين أون لاين

مقاومته عملٌ وطني لا يقل عن مقارعة الاحتلال.. و توعية النشء ضرورة

​متى تُفتح الجبهات ضد "التطبيع" كي تنكشف الألاعيب؟

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

في الوقت الذي كانت فيه منظمة التحرير الفلسطينية تُجرّم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بأشكاله كافة قبل أن تنخرط بعملية التسوية وتوقع اتفاقيات أوسلو عام 1993، أضحت المنظمة اليوم تروج له وتشكل للتطبيع لجاناً خاصة لتحقيق أهدافه، على غرار ما تسمى "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي".

ولطالما حاربت قيادة المنظمة خلال العقود الماضية، محاولات تطبيع بعض الشخصيات الفلسطينية ودول عربية مع الاحتلال، فانتقدت بشدة توقيع الرئيس المصري محمد السادات اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، التي تعد أول خرق للموقف العربي الرافض للتعامل مع (إسرائيل).

ذلك الموقف وغيره الكثير الذي يعبر عن رفض منظمة التحرير للتطبيع مع الاحتلال _سياسياً واقتصادياً وثقافياً_ تحوّل بشكل تدريجي إلى أمر مقبول على الصعيد الفلسطيني الداخلي والعربي كذلك، بالتوازي مع تغيير المنظمة لمسارها من حركة تحرر وطني إلى سلطة تصريف أعمال تحت حكم الاحتلال.

تطبيع تدريجي

عضو الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة للاحتلال، د.حيدر عيد يرى أن الكسر التدريجي لحاجز التواصل والتطبيع مع الاحتلال بدأ على الصعيد النفسي أولاً من خلال زيارة شخصيات عربية لـ (إسرائيل) وتوقيع دول عربية اتفاقيات سلام مع الاحتلال.

وقال عيد خلال حديثه لصحيفة "فلسطين": تخلى العرب تباعا عن مخرجات قمة الخرطوم 1967 التي انعقدت عقب هزيمة حزيران 1967 ونتج عنها ما يعرف بإعلان اللاءات الثلاث: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف، حتى بدأت دول عربية وتحديدا مصر بإنهاء عزلة الاحتلال وتوقيع اتفاقية كامب ديفد، التي تعهد بموجبها الطرفان الموقعان بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بينهما".

وعلى صعيد انطلاق قطار التطبيع الفلسطيني الإسرائيلي، أضاف "تُعد اتفاقية أوسلو بوابة تطبيع المنظمة مع الاحتلال بمباركة دول عربية، كانت قد وقعت سابقاً عدة اتفاقيات تضمنت صراحةً الاعتراف الكامل بالاحتلال وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية وتفعيل الحراك السلمي لتسوية القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات".

وتابع عيد "نهج المنظمة انقلب رأساً على عقب بعد توقيع تلك الاتفاقيات، فتغير نداء المنظمة من الدعوة إلى مقاومة الاحتلال بكافة أشكال النضال حتى تحرير التراب المحتل وعودة اللاجئين إلى العمل والمطالبة بقيام دولة فلسطينية في غزة والضفة وعاصمتها القدس الشرقية".

وأشار عيد إلى أن جميع المبررات التي ساقتها منظمة التحرير للتأكيد على التطبيع أثبتت فشلها، فلم يعط أي إنجاز للفلسطينيين وقيادة السلطة مقابل الإنجازات الإسرائيلية وتحديدا المتعلقة بتحسين صورة كيانهم أمام العالم، مؤكدا ضرورة إعادة تصحيح المفاهيم التي تعكس حقيقة الصراع الفلسطيني العربي مع الاحتلال ومقاومة التطبيع بكافة أشكاله.

مخاطر آنية ومستقبلية

وحول المخاطر المترتبة على تطبيع قيادة السلطة مع الاحتلال، تحدث الناشط في حملات المقاطعة د. مازن قمصية عن ذلك بعدما أكد على رأي المتحدث السابق؛ بأن التدهور على القضية الفلسطينية بدأ عندما تخلت المنظمة عن خياراتها الاستراتيجية ولجأت نحو المفاوضات والحل السلمي على أساس القبول بالطرف الآخر والتطبيع معه سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

وأوضح قمصية لصحيفة "فلسطين" أن "للتطبيع تداعيات آنية وأخرى مستقبلية، فمنذ أن اعترفت منظمة التحرير بحق دولة (إسرائيل) بالوجود تسارعت دول عربية نحو فتح خطوات وقنوات اتصال مع الاحتلال سواء في العلن أو في الخفاء، لتكون المحصلة النهائية وجود قاعدة عربية تقبل بالاحتلال وتشجع على التفاوض والصلح معه".

وذكر قمصية أن تطبيع قيادة المنظمة والسلطة مع الاحتلال في ظل الدعم العربي، يعد "خيانة" للنضال الفلسطيني المستمر ضد الاحتلال وتخليا عن الحقوق الوطنية الأساسية المرتبطة بحق عودة اللاجئين إلى بلداتهم التي هجروا منها في نكبة 1948 وتقرير المصير، موضحا أن النتائج الأخطر للتطبيع ستنعكس على الأجيال الصاعدة.

ونوه قميصة إلى أن السبب الأبرز لبروز مفهوم التطبيع يتمثل بغياب القيادة الفلسطينية الحكيمة التي فشلت في قراءة التاريخ وتجارب التحرير من الاستعمار بل جعلت مصالحها وامتيازاتها الشخصية قبل كل شيء، مشدداً على أن التأثير يكون بالمقاومة بأشكالها المختلفة وليس بالتطبيع واستقبال الوفود والمجموعات الشبابية.

المواجهة الداخلية أولاً

رئيس قسم التاريخ بالجامعة الإسلامية في غزة، د. غسان وشاح قال إن محاربة المنهج التطبيعي تتطلب وجود خطط فاعلة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وكذلك الثقافي والإعلامي، مبيناً أن عملية التنفيذ يتوجب أن تبدأ محلياً ثم تنتقل إلى الساحة الخارجية.

وأضاف وشاح خلال حديثه لصحيفة "فلسطين": "التطبيع حدث كارثي يتوجب الوقوف على مفاصله وأحداثه لنتمكن من مجابهته ورصد مكامن الاختراق، وبالمقابل تعد مقاومة التطبيع عملا جوهريا وطنيا لا يقل أهمية عن مواجهة الاحتلال على الأرض والوقوف في وجه مخططاته الاستعمارية".

وبين وشاح أن خطط مواجهة التطبيع تتطلب توعية الأجيال الناشئة بحقائق النضال الوطني والتأكيد على الوجه القبيح للاحتلال الإسرائيلي الذي يهدف بشكل أساس إلى سرقة الأرض وإحلال المستوطنين بدل السكان الأصليين باستخدام أدوات تخالف كل الأعراف.

ولفت وشاح إلى أن (إسرائيل) تمهد للتطبيع باستخدام الدعاية السوداء الكاذبة التي تستهدف الجمهور الخارجي في الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي يستلزم إيجاد جبهة مضادة تكشف خدع الاحتلال، مؤكداً أهمية تنسيق وتوحيد جهود مقاومة التطبيع فلسطينياً وعربياً.