بــ سريةٍ تامة وتحت أسماء وعناوين جذابة وبريئة تتخفى عشرات المؤسسات العربية، وبعضٌ منها محلية ترتبط بقنصلياتٍ أوروبية ومصالح مع الاحتلال الإسرائيلي، وراء ستار الأعمال والمشاريع الإنسانية والمساعدات الاجتماعية والطبية والأنشطة النسوية، والموسيقى، والرياضة، والبعثات السياحية، التي تتسلل منها لتعزيز التطبيع مع الاحتلال سواء على المستوى المحلي أو العربي.
وتعد تلك المؤسسات التطبيعية جزءًا من منظومة تسعى لتبييض صفحات الاحتلال السوداء وتخريب نضال الشعب الفلسطيني، لكن الغريب هنا أن المؤسسة الوحيدة المعلنة والمعروفة بالتواصل مع الاحتلال، هي "لجنة الحريات والتواصل مع المجتمع الإسرائيلي" المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية التي لطالما نادى الفلسطينيون بإغلاقها.
تبييض الاحتلال
منسق اللجنة الوطنية لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي فرع فلسطين (BDS ( محمود نواجعة يؤكد أن التطبيع مرفوضٌ بشكل شعبي فلسطيني وعربي، ولكن هناك بعض المؤسسات العربية والفلسطينية تنتفع منه بشكل مادي، وجزء منها متورط بالتطبيع بشكل كبير.
وبين نواجعة لصحيفة "فلسطين" أن التطبيع يتم من خلال مشاريع تطبيعية فلا مؤسسات تعلن عن نفسها أنها مُطبعة، لافتاً إلى أن لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي المنبثقة عن منظمة التحرير هي المؤسسات الفلسطينية الوحيدة التي لها هدف تطبيعي.
وتتخفى تلك المؤسسات تحت مظاهر التعايش والعمل الإنساني والرياضي، والأكاديمي والثقافي، والفني، حسب معلوماته؛ محذراً من خطورة دورها، باعتبار أنها جزء من منظومة تسعى لتبيض جرائم الاحتلال وتخريب نضال الشعب الفلسطيني.
ورأى نواجعة أن التطبيع يتغلغل من خلال مشاريع كثيرة، مبيناً أنه وصل لمرحلةٍ متقدمة لم نشهدها على المستويين الفلسطيني والعربي، خاصة بعد أن فُتحت أبواب التطبيع مع الاحتلال من خلال أكثر من دولةٍ عربية وخليجية، التي قد تكون نتيجة الضغوط الأمريكية.
وأشار إلى أن النظام الرسمي الفلسطيني هو سيد الموقف في أن يكون تطبيعاً أم لا، لكن صمت السلطة وتنسيقها الأمني مع الاحتلال أتاح للدول العربية التطبيع.
فيما يعتبر الناطق باسم تجمع شباب ضد الاستيطان محمد زغير أن أي مظهرٍ من مظاهر التعامل مع الاحتلال هو تطبيع سواء كان التعاون اقتصاديا أو سياسيا أو إنسانيا، مشيراً إلى نشاط مؤسسات إسرائيلية بالتعاون مع بعض مؤسسات المجتمع المدني المدعومة من قنصليات أوروبية تحت ما يسمى عملية "صناعة السلام" والتي هدفها كسر الجمود بين المجتمع الإسرائيلي والشعب الفلسطيني.
وقال زغير لصحيفة "فلسطين": "من يثبت تورطه في عمليات التطبيع نقوم بفضحه، وأحياناً تتبرأ عائلته منه كما حدث مؤخراً مع فردٍ من عائلة "جابر" بالخليل الذي استضاف في منزله المتطرف الإسرائيلي يهودا اغليك، وتبرأت عائلته منه".
ويرى أن مسمى "صناعة السلام" من شأنه أن يدر مالاً كثيراً لمن يتاجر به، مشيراً إلى أن هناك مؤسسات عربية مدعومة من قنصلياتٍ أوروبية تحاول التواصل مع المجتمع الإسرائيلي من أجل تقوية الشراكة بين الاحتلال وبعض الدول العربية لتحقيق شراكة على الأرض سواء على المستوى الاقتصادي كما يحدث مع دول عربية، والمستوى المعيشي أو الحياتي كما يحدث بالضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948م.
تصدٍ فاعل
ويصف الناشط ضد الاستيطان والتطبيع التطبيع بالجريمة الوطنية، إذ تكمن خطورته في محاولة تعطيل المقاومة، وبسط سيطرة الإدارة المدنية للاحتلال على حياة الشعب الفلسطيني، مبدياً قلقه إزاء أن التطبيع انتقل من مرحلة السرية إلى العلنية".
وتمارس المؤسسات المطبعة الخداع، وفق زغير، مدللاً على كلامه، بخداع إحدى تلك المؤسسات نساء فلسطينيات من "غور الأردن" شاركن بمسيرة مع نساء إسرائيليات تحت عنوان "رحلة مع جمعية خيرية لمدينة أريحا"؛ وتفاجأن بوجودهن بين نساء إسرائيليات، كما أن كثيراً من الشباب الفلسطينيين يذهبون لمؤتمرات تحمل عنوان "الواقع الفلسطيني" ويتفاجؤون بوجودهم بين مستوطنين ويهود، وحدث ذلك كثيراً خاصة بالقدس وبيت لحم.
إلا أن رئيس ملتقى القدس الثقافي اسحاق الفرحان يُحذر من محاولة الحكومات العربية التعامل مع (إسرائيل) وكأنها لا تحتل أرض فلسطين التاريخية، مشددا على ضرورة أن لا تكون الدول العربية يدا مساعدة لبقاء الاحتلال.
وقال الفرحان لصحيفة "فلسطين": "إن الاحتلال العسكري والسياسي لا يكون إلا بعد الاحتلال الثقافي، من خلال التأثير على ثقافة الأجيال"، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية كانت تدرس ضمن المنهاج الدراسي على المستويين العربي والإسلامي، وتدرس بأنها قضية العرب الأولى وغرسها لدى الأجيال، إلا أنها حذفت من المناهج قبل نحو عشرين عاما، بعد أن كانت تدرس كأساسٍ ثقافي.
وهناك عشرات المؤسسات بالعالم العربي والإسلامي، وفق رئيس ملتقى القدس، تحاول التطبيع مع الاحتلال دون وجود إعلان صريح لأسمائها، لكن تأثيرها ضعيف بسبب عدم تعاون الشعوب معها وتصدي مؤسسات عربية لهذه المحاولات، التي بدورها تحاول تعزيز القضية الفلسطينية في نفوس الأجيال العربية من خلال أنشطة متعددة.
التطبيع والقدس
فيما يشير الباحث في شؤون القدس د. جمال عمرو إلى أنه بعد أن انهارت روابط القرى التي كانت تُدار من خلال الإدارة المدنية للاحتلال، نهضَ التطبيع مع الاحتلال في السنوات الأخيرة من خلال المصالح المالية المشتركة، بين السلطة والاحتلال وبعض المنتفعين.
وقال عمرو لصحيفة "فلسطين": "إن المؤسسات التطبيعية اليهودية دخلت للمجتمع الفلسطيني خاصة بالقدس عبر ما يسمى منظمات المجتمع المدني أو ما سماها الاحتلال "مراكز جماهيرية" تتواجد بالأحياء العربية ولها برامج وصفها بالخبيثة"، لافتاً إلى أن هذه المؤسسات قد تقوم بتنظيم أنشطة لا تكشف حقيقتها؛ كــ تسهيل خروج كبار السن لأداء مناسك العمرة لإخفاء تلك الحقيقة؛ ولإقامة جسور تعاون مع الدول العربية.
وأضاف: "إن التطبيع على المستوى الفردي خطير، والأخطر منه أن تكون المؤسسات مُطبعة، لأنها ستقوم بجلب المزيد من الأتباع تحت أنشطة وعناوين جذابة؛ ومع ذلك لم تنجح تلك المؤسسات التطبيعية في أهدافها نتيجة وعي الشعب الفلسطيني".
وحذر الفصائل والمؤسسات الفلسطينية من تلك الأنشطة التي سرعان ما تكتشف أثناء التطبيق، منوهاً إلى أن المؤسسات التطبيعية تنشط في حالة غياب الأحداث الكبيرة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال.