قائمة الموقع

بين الدَّفن المؤقت والأخير.. ذوو شهداء غزة يعيشون الفاجعة مرتين

2025-03-03T12:34:00+02:00
بين الدَّفن المؤقت والأخير.. ذوو شهداء غزة يعيشون الفاجعة مرتين
فلسطين أون لاين

مع أولى ساعات صباح السبت الماضي، تجمع أهالي الشهداء الأطفال في متنزه مخيم الشاطئ غربي غزة، حيث دفنوا أبناءهم على عجل في أكتوبر/تشرين الأول، عندما لم يجدوا مكانًا آخر يؤوي أجسادهم الصغيرة.

تلك الأرض، التي كانت قد شهدت ضحكاتهم وألعابهم، قد تحولت بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت في 7 أكتوبر 2023م، إلى مقبرة مؤقتة، فرضتها قسوة الاحتلال ووحشية القصف.

وبعد 140 يومًا من الوداع الأول، يعود الأهالي لاستخراج جثامين أبنائهم ونقلهم إلى مثواهم الأخير في مقبرة الشيخ رضوان، التي لم تكن يومًا بعيدة عن استهداف الاحتلال.

وبمجرد أن بدأت عمليات الحفر، تعالت صرخات الغضب، ممزوجة بالحزن العميق، تندد بالمجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في الثالث عشر من أكتوبر 2024، حيث حصدت أرواح 6 أطفال في لحظة واحدة، بالقرب من قهوة غبن في مخيم الشاطئ، غربي المدينة.

دماء لم تجف

ويراقب عبد الحافظ الحلبي، أحد أقارب الشهيد الطفل رامي الحلبي، بحزن الجثمان المسجى، وعيناه تفيض بالدموع.

وبصوت متهدج، يقول لـ "فلسطين أون لاين": "دماء الشهداء لم تجف بعد، وكأنهم لم يرحلوا أبدًا... كأنهم ينزفون منذ لحظة استشهادهم حتى اليوم".

يبتلع الحلبي، مرارة الألم، ثم يضيف: "أن الاحتلال لم يترك لنا حتى فرصة الحداد، أراد أن يقتلنا مرتين؛ مرة حين قصفهم بلا رحمة، ومرة أخرى حين أجبرنا على دفنهم في قبور مؤقتة، واليوم نعيد فتح الجراح من جديد".

ويكمل: أن جيش الاحتلال، الذي استهدف كل شيء خلال عدوانه على غزة، لم يرحم الأطفال فكانوا صوب نيرانه، وهدفًا رئيسيًا، عقابًا لأهلهم على تمسكهم بأرضهم، ورفضهم الانصياع لأوامره بمغادرة المدينة نحو الجنوب، حيث ادعى أنها "مناطق آمنة"، بينما لم تكن سوى مصيدة جديدة للموت والدمار.

قبر جماعي

فيما أخذ محمد انعيم، أحد أقارب الشهيد الطفل رائد انعيم، ينظر إلى الجثمان الملفوف بالكفن الأبيض، ويداه ترتجفان وهو يمسح دموعه، وبصوت يخنقه الحزن، يقول: "دفناهم هنا في المتنزه بقبر جماعي، لأنه لم يكن هناك مكان آخر.

ويضيف انعيم لـ "فلسطين أون لاين": كان يجب أن تكون هذه الحديقة ملعبًا لهم، لا قبورًا تحتضن أجسادهم الطرية، واليوم، وقد حان وقت نقلهم إلى مقبرة الشيخ رضوان".

ويشعر انعيم، وكأن الفراق يتجدد، وكأن العائلة تعيش مأساة استشهاد "رائد" مرة أخرى، بينما يرفع رأسه إلى السماء ويتمتم: "أين العالم مما يحدث؟!، وهل يرون ولا يشعرون؟!، وهل يسمعون صراخنا ولا يتحركون؟!، مكملًا: "هذا الصمت الدولي هو تواطؤ مع الجريمة وشراكة في المجازر، وخِتم بالموافقة على قتل أطفالنا بدم بارد".

عزاء جديد 

واضطرت عائلة الشهيد الطفل محمد غيث، إلى نقل جثمانه من متنزه الشاطئ إلى مقبرة الشيخ رضوان. بينما يقول والده: "إن فتح القبور لاستخراج الجثامين لا يعني فقط نقلها إلى مثواها الأخير، بل هو استدعاء للألم من جديد، واسترجاع للحظة الفقد بكل قسوتها". 

وأضاف: بقيت طوال الأشهر الماضية أحاول الهروب من هذا اليوم، فأنا اليوم أقف  عاجزًا أمام الحقيقة، وبصوت مبحوح، يقول: "كنت أعلم أن هذه اللحظة ستأتي، لكنها أقسى مما تخيلت.. كأنني أدفنه من جديد".

ويضيف بحزن: إنه حينما أُخرج الجثمان من التراب، بدا الكفن وكأنه لم يتغير، وكأن الشهيد لم يغادر، وكأن روحه ما زالت تحلق في المكان.

ببطء، أعيد تكفين "محمد" ونقله إلى مقبرة الشيخ رضوان، لكن حتى هناك لم يجد قبرًا خاصًا به، فاضطرت العائلة إلى دفنه في قبر أحد أقاربه، لأن المقبرة لم تعد تحتمل المزيد من الموتى.

ويحمل عم الشهيد، نضال غيث، حفنة من التراب بين يديه، ويحدق فيها بغضب، وبصوت جريح، يقول: "كل هذا بفعل الاحتلال، لكن العالم أيضًا يتحمل المسؤولية فسكوتهم هو ما منح الاحتلال الضوء الأخضر ليواصل مجازره.

ويمضى بالقول: لو كانت هذه الدماء في مكان آخر، لاهتزت العواصم وتحركت الجيوش، لكن لأنهم أطفال غزة، لأنهم فلسطينيون، يكتفون بالإدانة الباردة، أو الصمت المريب.

ومنذ السابع من أكتوبر 2023، وحتى والـ19 يناير 2025م، لم تهدأ المجازر، ولم يتوقف القصف، وارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح، جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وما يزيد عن 14 ألف مفقود، وسط دمار هائل في البنية التحتية.

اخبار ذات صلة