قائمة الموقع

العمري.. حكاية مسجد تاريخي دمره الاحتلال بغزة

2025-03-02T13:10:00+02:00
المسجد العمري بعدما دمّره القصف الإسرائيلي خلال حرب الإبادة
فلسطين أون لاين

طراز معماري فريد تشتم منه رائحة تاريخ يعود إلى آلاف السنين، ويمتلئ بعبق روح إيمانية حافظ المسلمون عليها رغم تعاقب التحديات على المسجد العمري الكبير شرق غزة، لكنه واجه في حرب الإبادة الجماعية أخيرا دمارا شبه كلي.

هوت جدران وأعمدة وأروقة في المسجد أرضا بفعل نيران إسرائيلية أرادت محو الهوية الفلسطينية والأثرية، لكن مئذنته المتضررة بقيت شامخة رغم ما أصابها، وكأنها ترفض انكسار هذا المكان التاريخي، وتتوق لإعادة إعماره.

المسجد العمري الكبير المقام على مساحة 4100 متر يعد من أقدم الأماكن الأثرية على الاطلاق على مدى البشرية كلها، والحديث هنا للمرشد السياحي بوزارة الأوقاف طارق هنية.

يقول هنية لصحيفة "فلسطين": "إنه مكان عبادة منذ 3700 سنة تقريبا، وقد مر بمراحل تاريخية عدة أولها أنه كان معبدا وثنيا في زمن الفراعنة وقبائل الهكسوس التي كانت موجودة جنوب فلسطين".

و"في إثر حرب قاسية تعرضت لها مدينة غزة آنذاك بين الفراعنة والهكسوس، قضي على الهكسوس وبني معبد وثني لعبادة الشمس سمي بمعبد الإله مارنا رب الأرباب"، يتابع هنية.

ويفيد بأن هذا المعبد دمر بالحملة البيزنطية الأولى وبنيت كنيسة في المكان نفسه.

ويبين أنه في بداية الفتوحات الإسلامية زمن سيدنا عمر بن الخطاب الذي مر بمدينة غزة ومكث فيها ثلاثة أيام أقام جزءا من العهدة العمرية بينه وبين البطريرك صفرونيوس ووجد أن العدد الأكبر من أهل غزة أصبحوا مسلمين فاتفق على أن يأخذ المسلمون المكان الأكبر وخصص مكان أصغر جنوب المسجد لبناء كنيسة.

وتعود تسمية المسجد الذي بني حينها بـ"العمري" إلى سيدنا عمر بن الخطاب.

لكن المسجد دمر بالكامل في الحرب البيزنطية الثانية وبنيت على أنقاضه كنيسة أخرى وأخذت نفس الطابع والاسم "كنيسة بيرفيريوس"، وعاد المسلمون مجددا في الفتوحات الإسلامية الثانية في زمن المماليك وحرروا المكان وبنوا مسجدا آخر وحافظوا عليه، كما يفيد المرشد السياحي.

إلا أنه دمر أيضا في الحملة البيزنطية الأخيرة وبنيت كنيسة محله، وفي الفتوحات الإسلامية زمن الخلافة العثمانية أعيد المكان للمسلمين لأن الكنيسة بنيت على أنقاض المسجد العمري الأول، ووضع المسلمون يدهم على المكان الذي أضافت إليه الخلافة العثمانية منطقة شمالية وأخرى غربية قبل 400 عام.

وبحسب هنية، فإن البريطانيين ضربوا المسجد من جهة البحر في الحرب العالمية الأولى ليقصفه الاحتلال الإسرائيلي أيضا من زوارقه البحرية إضافة إلى طائراته وقذائفه العام الماضي.

وأسفر القصف الإسرائيلي عن تدمير 80%-85% من المسجد العمري، وفق تقدير المرشد السياحي.

وطالت الأضرار المسجد ككل من الداخل، وتعرضت المنطقة الغربية منه لدمار كبير وشامل، عدا عن مكتبته التي كان لها القدر الأكبر من التدمير، وواجه "العمري" هزات قوية أضرت بأركانه على امتداد مساحته.

يشير هنية بيديه إلى بعض الحجارة قائلا: هذا ما تبقى من مكتبة قوامها 20 ألف كتاب تبرع بها الظاهر بيبرس زمن المماليك، واصفا الضربة التي تعرضت لها بأنها قوية جدا.

ويصف استهداف الاحتلال للمسجد بأنه "إفلاس عسكري بحت، إذ إنه لم يستطع مواجهة المقاومين فدمر بيوت الآمنين والمساجد واستشرس في استهدافها".

وتضم مدينة غزة ما يتراوح بين 70-80 مسجدا أثريا، وفق إفادته.

وبفعل حرب الإبادة الجماعية التي بدأها الاحتلال في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تضررت 229 منشاة سياحية منها 111 هدمت كليا، وتضرر 291 موقع أثري وتراثي، بحسب معطيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

وتفيد وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة، بأنَّ صواريخ وقنابل الاحتلال استهدفت 1109 مساجد ودمرتهم كليًا أو جزئيًا من أصل 1244 مسجدًا في قطاع غزة بما نسبته 89%، كما دمرت ثلاث كنائس كليا خلال حرب الإبادة الجماعية.

وكان المسجد العمري يضم مركزا لتعليم القرآن الكريم والقراءات ودورات أحكام التلاوة والتجويد، وانخرط في ذلك الإمام الشهير بصوته العذب عاهد زينو.

يصف هنية المسجد العمري بأنه "منارة للعلم والعلماء ومركز لكل ما يلزم حياة المواطنين بمدينة غزة كإشهار الزواج والأفراح والجنائز ودروس التوعية وحلقات العلم وغير ذلك".

وقبل ثلاثة أعوام عكفت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على إنجاز مشروع "شيخ العمود" العلمي وبات منارة مرادفة للجامعات يتناوب عليها المشايخ في حلقات علمية لطلابهم.

إعادة البناء

ويبدي هنية تفاؤلا بإعادة بناء المسجد العمري، رغم تحديات الاحتلال، مشيرا إلى أن مؤسسات قطاع غزة كافة متأهبة لإعادة الإعمار وبالذات هذا المسجد.

وفي حال عرقل الاحتلال إدخال المواد اللازمة لإعادة الإعمار، يقول هنية: إن الوضع سيكون "مزريا".

وعما إذا كانت إعادة إعمار المسجد العمري ستؤثر على أثريته، يبين أن حجارته سترمم ويعاد استخدامها كما كانت.

ورغم الدمار الواسع الذي حل به، فإن القائمين على المسجد يحرصون على إقامة الصلوات يوميا في إحدى باحاته.

ويشير إلى أن "أهل الخير" موجودون ولن يتركوا المسجد في هذه المرحلة العصيبة، لافتا إلى نية إقامة معرشات بداخله.

ويثق بأن "كل مساجد قطاع غزة المدمرة ستقف ثانية.. سيستغرق ذلك وقتا لكنه سيتحقق".

ويتنصل الاحتلال الإسرائيلي من تعهداته والتزاماته التي وقع عليها ضمن إتفاق وقف العدوان على غزة والبروتوكول الإنساني الملحق، برفضه إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام.

وتقدر الجهات الرسمية في غزة الأضرار والخسائر التي سببتها حرب الإبادة الجماعية في مختلف القطاعات بما يزيد عن 50 مليار دولار.

اخبار ذات صلة