فلسطين أون لاين

هشام السَّيِّد... قضيَّة الأسير "المنسيِّ" تفضح التَّمييز العنصريَّ بدولة الاحتلال

هشام السَّيِّد... قضيَّة الأسير "المنسيِّ" تفضح التَّمييز العنصريَّ بدولة الاحتلال
هشام السَّيِّد... قضيَّة الأسير "المنسيِّ" تفضح التَّمييز العنصريَّ بدولة الاحتلال

بدون مراسم تسليم، أفرجت كتائب القسام في نهاية المرحلة الأولى عن الأسير الإسرائيلي المحتجز في غزة منذ عام 2015، هشام السيد، في نقطة حددتها للجنة الدولية للصليب الأحمر شرق مدينة غزة، بعد عشر سنوات من الاحتجاز، في قضية فضحت التمييز العنصري داخل دولة الاحتلال.

ورغم أن القسام أفرجت عن السيد بلا مقابل من الناحية العملية، إلا أن مختصين في الشأن الإسرائيلي يعتقدون، في أحاديث منفصلة مع صحيفة "فلسطين"، أن الثمن الاستراتيجي الذي ستدفعه حكومة الاحتلال أمام العرب كبير، وله انعكاسات على قضية التجنيد في جيش الاحتلال، بعدما شاهد العرب بأعينهم التمييز العنصري الذي مارسته حكومة الاحتلال مع السيد، حتى بات يُعرف باسم الأسير "المنسي".

ورأى المختصان أن القسام وجّهت ضربة مفاجئة وغير متوقعة لحكومة الاحتلال، بالإفراج عن السيد دون مقابل، في عملية أحرجت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام العرب، وفضحت عنصرية حكومته.

السيد عربي من قرية السيد بالنقب، وهي من القرى التي لا تعترف بها سلطات الاحتلال، وقد تطوّع في جيشها عام 2008، وجرى أسره يوم 20 أبريل/ نيسان 2015، ولم تحاول حكومة الاحتلال إجراء أي صفقة تبادل للإفراج عنه، بل أهملت قضيته. وخلال عام 2022، أعلنت كتائب القسام تدهور الحالة الصحية للسيد، ونشرت مقطع فيديو يوثّق ذلك، لكن هذا الأمر لم يحرك حكومة الاحتلال لبذل أي مساعٍ للإفراج عنه.

ونقلت قناة الجزيرة عن مصادر في القسام أن جيش الاحتلال تخلى عن الأسير السيد على مدى 10 سنوات، لأنه يحمل الجنسية الفلسطينية رغم خدمته في صفوفه، لكن الكتائب قررت تسليمه دون مراسم احترامًا لأهالي الداخل المحتل.

ولفتت المصادر إلى أن حالات التجنيد، التي وصفتها بـ"الشاذة"، لفلسطينيي الداخل في صفوف الاحتلال، ترفضها كافة القوى والفصائل الفلسطينية، مؤكدة أن قرارها يتماشى مع موقفها المُعلن خلال "هبة الكرامة" عام 2021، والذي شدد على أن الوطن لأصحابه الفلسطينيين.

رسالة لعرب الداخل

وقال المختص في الشأن الإسرائيلي، فرحان علقم، إن "إفراج المقاومة عن السيد بهذا الشكل المستقل، وبعيدًا عن الأضواء والمراسم التي أفرجت خلالها عن الأسرى الإسرائيليين الآخرين، يحمل رسالة واضحة لفلسطينيي الداخل، مفادها أن المقاومة تمثل الجميع، وأن الشعب الفلسطيني واحد وموحد في أهدافه ووجوده".

وأضاف علقم، لصحيفة "فلسطين"، أن "المقاومة أظهرت أن الاحتلال لا يقيم وزنًا لفلسطينيي الداخل حتى لو خدم بعضهم في جيش الاحتلال، وتبعث برسالة مفادها أن التعامل مع الاحتلال لا يمكن أن يتم إلا على قاعدة واحدة، وهي أنه احتلال، مؤكدة بذلك وحدة الهدف والمصير".

ويعتقد أن الاحتلال، وبعد فترة طويلة من الإهمال وعدم الاكتراث لقضية السيد، سيدفع ثمنًا من خلال تنامي الشعور لدى فلسطينيي الداخل بعدم إمكانية التعايش مع الاحتلال، وستزيد قناعات بعض المنخرطين في جيش الاحتلال بأن الامتيازات التي بحثوا عنها غير موجودة، وأن الخدمة في جيش الاحتلال لن تنصفهم ولن تعيد حقوقهم المفقودة.

وأشار إلى وجود تمييز كبير داخل المجتمع الإسرائيلي بين اليهود الغربيين والشرقيين، أو بين البيض والسود، وهذا التمييز العنصري يزداد مع فلسطينيي الداخل الذين يختلفون مع الإسرائيليين في بقية التفاصيل، مما يجعل قضية السيد محطة تفكير نقدي للذات.

وشهدت الفترات التي تلت الحروب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة انخفاضًا في نسب التحاق العرب البدو بجيش الاحتلال. فوفق تقارير نشرتها وسائل إعلام عبرية عام 2014، لم تزد أعداد المجندين البدو عن 280 جنديًا، خلافًا لما كان عليه عددهم قبل عشر سنوات، إذ وصل إلى 400 مجند.

أما فيما يتعلق بحجم تسرب الشبان البدو من الجيش الإسرائيلي بعد التحاقهم بالخدمة، فقد بلغت نسبة المتسربين عام 2018 حوالي 31%، وفي عام 2019 بلغت 30%، وفي عام 2020 بلغت 23%، وهي معدلات مرتفعة مقارنة مع نسب التسرب العامة من الجيش الإسرائيلي التي تراوحت بين 12% و15% خلال الأعوام ذاتها.

انعكاس كبير

من جانبه، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، عزام أبو العدس، أن فكر المقاومة يجمع كل أبناء الشعب الفلسطيني، ودائمًا ما كان خطابها موجّهًا للكل الفلسطيني، دون تمييز حزبي أو فئوي.

وكما تعامل الاحتلال بعنصرية مع السيد، تعامل أيضًا مع قضية المحتجز إفرا منغستو، الذي تُرك لعشر سنوات في غزة، وهو من طائفة يهودية تُسمى "الفلاشا"، والتي لا تعترف بها الحاخامية اليهودية بسبب لون بشرتهم السوداء، رغم أنهم يُستدعون إلى دولة الاحتلال لإكثار العدد السكاني، لكنهم يواجهون تمييزًا واضحًا.

ويعتقد أبو العدس، في حديثه لـ"فلسطين"، أن المقاومة وجّهت ضربة غير متوقعة لحكومة الاحتلال، التي تحاول الترويج لسردية "التنوع" في المجتمع الإسرائيلي، مدعية أنه يضم عربًا ومسلمين، وأن الجميع لهم حقوق متساوية. لكن ما حدث مع السيد ومنغستو يكشف زيف هذه السردية ويفضحها.

وأشار إلى أن الاحتلال ينظر إلى العرب، سواء كانوا موالين له أو معارضين، على أنهم مجرد "عرب"، ولم تتغير نظرته لهم. وذكر حادثة هدم جرت قبل أيام في الداخل المحتل، استهدفت منازل عائلات تضم جنودًا وضباطًا خدموا في جيش الاحتلال، لكن ذلك لم يمنع جيش الاحتلال من هدم منازلهم.

أما عن أثر ذلك على تجنيد العرب، فقد أظهرت الإحصائيات انخفاضًا في نسبة تجنيدهم بجيش الاحتلال، إذ أصبحت الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال منبوذة بين فلسطينيي الداخل، في ظل تنامي الوعي تجاه مخاطرها.

بالتالي، يرى أبو العدس أن إفراج المقاومة عن السيد بهذه الطريقة يزيد من حالة "الصحوة" التي يعيشها أهل الداخل المحتل، ويساهم في الحدّ من الالتحاق بجيش الاحتلال، ويربط الفلسطينيين بهويتهم الوطنية التي ينتمون إليها.

 

اخبار ذات صلة