قائمة الموقع

حين يصبح البرد قاتلًا.. أطفال غزَّة يواجهون الموت في خيام النُّزوح

2025-02-26T08:47:00+02:00
حين يصبح البرد قاتلًا.. أطفال غزَّة يواجهون الموت في خيام النُّزوح
فلسطين أون لاين

جلست رحمة النويري (40 عامًا) في زاوية خيمتها المرتجفة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، تضم أطفالها الأربعة إلى صدرها كأنها تحاول احتواءهم داخلها لتمنحهم بعضًا من الدفء المفقود.

منذ أن شردهم القصف من منزلهم، تكافح النويري لإيجاد ما يقي أطفالها برد الشتاء القاسي، لكن الخيمة التي تأويهم مصنوعة من قماش رقيق لا يمنع الصقيع من التسلل إلى عظامهم.

كل ليلة، تتحول الخيمة إلى كتلة جليدية، حتى إن أنفاس أطفالها تتجمد في الهواء. الأغطية التي يملكونها لم تعد كافية، والوقود شحيح حد الاستحالة.

حاولت النويري شراء الحطب من أجل إشعاله وتوفير الدفء لأطفالها، لكن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، ولم يعد بإمكانها شراء حتى حفنة صغيرة منه.

تقول النويري لـ "فلسطين أون لاين": "بالأمس جمعت بعض الكرتون من الشارع، وأشعلته داخل علبة معدنية، لكن الدخان ملأ الخيمة وكدنا نختنق. لا يوجد شيء يقينا البرد."

ابنها الأصغر، آدم، لم يعد يقوى على تحمل البرد، جسده الصغير يرتجف طوال الليل، وسعال شديد يلازمه منذ أسابيع.

تقول النويري بحزن: "لقد أخذت آدم إلى العيادة الميدانية القريبة، لكن الطبيب أخبرني أنه مصاب بالتهاب رئوي بسبب البرد الشديد، وأنه بحاجة إلى مكان دافئ حتى يتماثل للشفاء. نظرت إليه بعينين مغرورقتين، أي دفء يتحدث عنه؟ الخيام باردة كالمقابر تمامًا، ولا شيء يوحي بأن الأوضاع ستتحسن قريبًا."

"نريد كرفانات"، تكرر النويري كلما جاء أحد العاملين في المنظمات الإغاثية. "الخيام لا تصلح للحياة، أطفالنا يموتون من البرد!" لكن الجميع يرددون الإجابة نفسها: "إسرائيل تمنع دخول الكرفانات."

تشعر بالعجز كلما احتضنت أطفالها لتدفئهم بيديها المرتجفتين. كيف يمكن أن يكون البرد قاتلًا أكثر من القصف؟ كيف يمكن أن يكون الحصول على غرفة دافئة حلمًا بعيد المنال؟

أزمة إنسانية متفاقمة

يعيش قطاع غزة أزمة إنسانية متفاقمة، حيث أدت الحرب إلى تدمير مئات الآلاف من المنازل، في وقت يعاني فيه السكان من نقص حاد في الوقود والاحتياجات الأساسية، ما يفاقم معاناة السكان الذين يواجهون البرد القارس دون مأوى مناسب.

وأفادت مصادر طبية في قطاع غزة، صباح أمس، بوفاة خمسة أطفال بسبب البرد الشديد.

وقال الدكتور سعيد صلاح، المدير الطبي لمستشفى أصدقاء المريض الخيري في قطاع غزة، إن أربعة أطفال رضع لقوا حتفهم في المستشفى بسبب البرد الشديد، مشيرًا إلى أن أعمارهم لا تتجاوز يومين، وهناك ثلاث حالات أخرى في وضع حرج.

كما أفاد بوفاة الطفلة شام يوسف الشمباري (60 يومًا) داخل خيمتها بسبب البرد القارس في منطقة مواصي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

البرد يزحف من الثقوب

عند دخولك إلى منزل الحاج أبو وائل عطوة في حي النصر غرب مدينة غزة، لا يمكنك أن تسميه منزلًا بعد الآن. لم يتبقَ منه سوى جدران نصفها متهدم، وسقف مثقوب تتسلل منه الرياح بلا استئذان.

منذ أن توقفت الغارات، رفض أن يغادر بيته المتهالك. لم يتحمل فكرة العيش في خيمة باردة، لكن البرد وجد طريقه إليهم هنا أيضًا، متسللًا من بين الشوادر التي وضعها لإغلاق الفتحات، ومن ألواح الخشب التي بالكاد تغطي الجدران المحطمة.

تجلس أم وائل تحت بطانية قديمة، تلف جسد حفيدتها الصغيرة، سعاد، التي ترتجف بشدة رغم أنها تلبس كل ما تملكه من ثياب فوق بعضها.

تقول أم وائل لـ"فلسطين أون لاين": "البطانيات لم تعد تنفع... البرد يتسلل من كل مكان... وفي الليل، يزداد الأمر سوءًا. البرد يعصف بالمنزل، والصغار لا يستطيعون النوم."

عمر، حفيدهم الأكبر، يضع يديه أسفل أبطيه، يحاول الحصول على بعض الدفء، يراقب والده وهو يحاول تثبيت إحدى الشوادر التي كادت تسقط بفعل الرياح.

"لسنا بحاجة إلى مزيد من البطانيات، نريد كرفانات تأوينا"، يقول أبو وائل بحنق، بعدما سمع أحد المتطوعين يقترح عليهم توزيع مزيد من الأغطية. "لا أحد يفهم أننا نعيش في بيت بلا جدران حقيقية، بلا نوافذ، بلا أبواب تردع هذا البرد القاتل!"

لكن مطالباتهم لم تجد آذانًا صاغية، فالقيود الإسرائيلية تمنع دخول الكرفانات، وحتى مواد البناء لا يُسمح بإدخالها. ومع كل ليلة تمر، يدرك أبو وائل أن البرد قد يكون قاتلًا أكثر من الحرب، وأن بقاءهم في هذا البيت المتهالك بات معركة أخرى عليهم أن يخوضوها، دون أن يعرفوا متى أو كيف سينتصرون.

تنصل الاحتلال من الاتفاق

وقال إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، لـ"فلسطين أون لاين": "الاحتلال الإسرائيلي يواصل تنصله من التزاماته الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يرفض حتى الآن إدخال الكرفانات اللازمة لإيواء آلاف العائلات المشردة."

وأشار إلى أن الاحتلال لا يزال يمنع تدفق الوقود اللازم لتوفير الدفء داخل أقسام المستشفيات بشكل كافٍ، رغم أن الاتفاق ينص على إدخال 50 شاحنة وقود يوميًا، بينما لا يتم السماح إلا بدخول عدد قليل جدًا منها.

وأضاف الثوابتة: "المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ الاتفاق أدت إلى كارثة إنسانية، حيث فقدنا خمسة أطفال نتيجة البرد القارس، في ظل غياب أي حلول حقيقية توفر لهم الدفء أو السكن المناسب."

وتابع: "الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم، فهو يواصل استخدام الحصار كسلاح لقتل المدنيين ببطء، وسط صمت دولي مخزٍ."

وأشار إلى أن "الخيام التي يسكنها النازحون لا توفر الحد الأدنى من الحماية من البرد الشديد، فيما باتت المنازل المدمرة جزئيًا غير صالحة للعيش بسبب تسرب المياه والرياح القاسية، مما يزيد من أعداد الضحايا، خاصة بين الأطفال وكبار السن."

وأكد الثوابتة أن "إسرائيل تتعمد إبقاء الوضع الإنساني في غزة كارثيًا عبر منع إدخال مستلزمات الإغاثة الأساسية، وهو ما يستوجب تحركًا دوليًا عاجلًا."

ودعا إلى "ضغط دولي حقيقي على الاحتلال لإدخال الكرفانات والوقود دون قيود، ووقف هذه السياسات الإجرامية التي تستهدف حياة الأطفال والعائلات المشردة"، مشددًا على أن "استمرار هذه الإجراءات العقابية بحق سكان غزة يؤكد أن الاحتلال لا يلتزم بأي اتفاقات، ويصر على مواصلة عدوانه بأشكال مختلفة."

اخبار ذات صلة