لم يكن حسن بدح، الشاب الغزّي ذو الـ31 عامًا، يتخيل أن رحلة نزوحه من شمال قطاع غزة إلى جنوبه في نوفمبر الماضي ستتحول إلى كابوس مرعب يطول شهورًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
كان الممر الذي ادعى الاحتلال أنه "آمن" فخًا وقع فيه حسن وآلاف الفلسطينيين الذين ظنوا أن النجاة ممكنة.
هناك، عند ما يسمى حاجز "نيتساريم"، بدأ مسلسل العذاب الذي لم ينتهِ إلا حين خرج ضمن اتفاق وقف العدوان على غزة وتبادل الأسرى الذي دخل حيز التنفيذ في يناير/كانون ثان.
يستذكر حسن لحظات اعتقاله وكأنها لم تنتهِ بعد. يقول بصوت مرتجف: "أجبرونا على خلع ملابسنا بالكامل في عز الشتاء، تركونا في العراء بلا غطاء، وكان الضرب والشتائم والتهديدات أول ما واجهناه هناك".
لم يكن الأمر مجرد احتجاز، بل سلسلة من الانتهاكات الممنهجة، بدأت منذ لحظة وضع القيود في يديه وحتى الدقيقة الأخيرة قبل الإفراج عنه.
في السجون، لم يكن حسن مجرد رقم بين آلاف المعتقلين الفلسطينيين، بل كان شاهدًا على ألوانٍ من العذاب. الحرمان من النوم كان سلاحًا أساسيًا يستخدمه السجانون. "لم أكن أنام سوى ساعتين بالكاد، وما تبقى من الوقت كان للتحقيق والتعذيب والشبح.. كان يومًا لا نهاية له."
لم يكن حسن وحده في هذا الجحيم، فقد رأى بعينيه أحد الأسرى يلفظ أنفاسه الأخيرة من شدة التعذيب والجوع. "كان شهر رمضان الأصعب، الصوم داخل السجن لم يكن اختيارًا، بل فرضوه علينا قسرًا بمنع الطعام".
لكن أكثر ما لن ينساه حسن هو الأيام التي نُقل فيها بين السجون، حيث كان الاحتلال يتعمد وضعه وأسرى آخرين في أقفاص حديدية مكشوفة، لتصبح أجسادهم المتعبة مزارًا للمجموعات اليهودية المتطرفة.
"كانوا يمرون بنا، يشتموننا بأقذر الألفاظ، يبصقون علينا، يرمون علينا النفايات.. لم أشعر يومًا أنني إنسان داخل ذلك القفص"، يتابع حديثه.
يقول حسن إن اصعب شيء أنهم يتعمدون إبعادهم عن العالم الخارجي "فلا نعلم شيئا عن الحرب وعما يجري في غزة سوى ما يريدون اخبارنا به كاستشهاد القادة وتدمير المناطق والقرى والاخبار السيئة فقط".
وعندما جاء خبر الإفراج، لم تكن الفرحة مكتملة. "لحظة لا تُوصف، لكنها ناقصة.. تركت خلفي رجالًا ذاقوا من العذاب ما لا يحتمله بشر."
يشكر حسن كل من ساهم في إطلاق سراحه، لكنه يوجه نداءه الأخير إلى المقاومة الفلسطينية والعالم: "لا تتركونهم.. كل دقيقة تمر عليهم هناك جحيم".
حسن بدح خرج من السجن، لكن ذاكرة العذاب سترافقه طويلاً، تمامًا كما رافقت آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين ما زالوا يقبعون خلف القضبان، ينتظرون لحظة حرية قد تأتي أو لا تأتي.