قائمة الموقع

السَّيِّدة كُلاب... العودة إلى غزَّة تنكأ جراحها على الغيَّاب من جديد

2025-02-23T20:42:00+02:00
السَّيِّدة كُلاب... العودة إلى غزَّة تنكأ جراحها على الغيَّاب من جديد

كانت تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تعود فيه إلى غزة، لترتمي في أحضان والدتها بعد ما يقارب خمسة عشر شهرًا من عذابات الفراق والبعد القسري عن أهلها وبيتها. إلا أنه في الثامن من يناير من العام الجاري، تبدلت أحوالها ومشاعرها بعدما هزّ صاروخ إسرائيلي قلبها قبل أن يهزّ أرجاء منزل عائلتها "كلاب"، الواقع في منطقة أبو إسكندر بمدينة غزة، ما أسفر عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى.

استيقظت ماجدة كلاب، النازحة إلى جنوب القطاع، بفعل عنف القصف في ذلك الصباح، لتُجهّز نفسها للذهاب إلى عملها كمرشدة نفسية كما اعتادت خلال أيام الحرب. غير أن زوجها حاول ثنيها عن ذلك متحججًا بأعذار واهية، لكنها أصرت على الذهاب، وطلبت منه أن يخبرها بما يخفيه عنها. صمت دقيقة محاولًا اختيار كلمات تخفف من وطأة الصدمة، ثم قال: "اتصل ابننا من الجزائر فجرًا ليخبرني أنه قرأ في الأخبار عن استهداف منزل عائلة كلاب، وكان يريد الاطمئنان عليهم."

تسارعت دقات قلبها، وكأنها فقدت السيطرة عليه، وبدأت تردد أسماء أشقائها وشقيقاتها ووالدتها، طالبةً من زوجها أن يتصل بهم تباعًا، على أمل أن يطمئنها أحدهم. بعد محاولات عدة، أجاب شقيقها، لكن صوته المرتجف زاد من قلقها، وقال لها: "أنتِ إنسانة مؤمنة، ولا أريد أن يلعب أحد بأعصابك، فيقول لكِ إنهم مصابون أو تحت الأنقاض... أمك وأختاكِ منار ورانية وأبناؤهما استشهدوا."

تقول كلاب: "لا أستطيع وصف حالتي في تلك اللحظة، لكن أقل ما يمكن قوله إنني كنت كالمجنونة، أبكي بلا وعي. كانوا هم من يواسونني ويصبرونني على نزوحنا وبعدي عنهم. قبل استشهاد والدتي بأسبوع، كانت تتصل بي يوميًا، صباحًا ومساءً، ولم تكن تكتفي بسماع صوتي، بل تطلب مني أن أفتح مكالمة فيديو عبر الإنترنت، كما كانت تتحدث مع أبنائي واحدًا تلو الآخر."

كانت والدتها أغلى الناس على قلبها، فهي لم تكن مجرد أم، بل كانت أختًا وصديقة ومعلمة ومربية لأحفادها. وكذلك شقيقتاها، رانية ومنار، اللتان كانتا بمثابة أم ثانية لها، يقفان إلى جانبها في كل المناسبات، سواء ماديًا أو معنويًا.

تضيف كلاب بصوت مختنق لصحيفة "فلسطين": "لأنني مريضة بالسكري، كانت والدتي تطلب مني ألا أستعجل في العودة إلى غزة خلال الأيام الأولى من الهدنة، خوفًا عليّ من ازدحام الطرقات. وعندما تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، كنت أنتظره بفارغ الصبر، لكنه جاء بعد عشرة أيام فقط من استشهادهم، فشعرت وكأنني سمعت خبر استشهادهم من جديد."

كانت تعدّ الأيام للعودة إلى أحضان عائلتها، لكنها عادت لتجد نفسها وحيدةً من دونهم. كلما طلبت من زوجها وأبنائها تجهيز الأمتعة استعدادًا للعودة، كانت تؤجل ليومين آخرين، حتى مرّ أسبوعان منذ السماح بعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله.

وتسرد كلاب: "في اليوم الذي قررنا فيه العودة، كنت حزينة، والبكاء يخنق صدري. ما إن خرجنا من المنطقة الوسطى باتجاه شارع صلاح الدين، حتى بدأ زوجي يحاول تلطيف الأجواء ويهنئني بعودتي سالمة، لكن مشاهد الدمار والركام كانت كفيلة بملء قلبي قهرًا على حال البلد وأهله."

وكلما اقتربت من منطقة أبو إسكندر، اشتدت الخنقة في صدرها، إلى أن وصلت إليها، فانهارت بالبكاء، ثم صرخت بأعلى صوتها: "نادوا أمي، قولوا لها أني وصلت!" ثم اختفى صوتها، ولم تتمكن من النطق بأي كلمة حتى تناولت علاجها.

وتتابع: "كنت دائمًا أقول لوالدتي عبر الهاتف: احفظي الأحداث، فأنتِ ستروين لي عن أيام الحرب، وأنا سأحدثك عن أيام النزوح."

لكن بعد عودتها إلى غزة، تجدد جرح كلاب مجددًا، خاصةً عندما أعطاها شقيقها ما اشترته لها والدتها من أغطية وملابس لها ولأبنائها بعد قصف منزلها.

ومع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، استذكرت عادة والدتها ليلة ثبوت هلاله، حين كانت توزع "كابونة رمضانية" على بناتها الأربع، ليكن سحورهن الأول منها.

وتكمل: "رغم سني، إلا أنها لم تترك عيدًا دون أن تعايدني وتُهدي أبنائي، الذين أصبحوا شبابًا."

كما أنها كانت معلمةً لأحفادها، تجمعهم حولها دائمًا لتحفظهم قصار السور القرآنية، وتعليمهم الصلاة، والنظافة، والوضوء، وغيرها من القيم."

اخبار ذات صلة