كان مشهد تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين اليوم الخميس محمَّلا بالرسائل التي أرادت المقاومة الفلسطينية إيصالها للاحتلال، والتي كانت تذكر في مجملها بما تكبدته إسرائيل من خسائر خلال حربها على قطاع غزة.
وتم تسليم كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- أول دفعة من جثث الأسرى المقرر تسليمها ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وسلمت المقاومة جثث 4 أسرى إسرائيليين، بينها أم وطفلاها ينتمون لعائلة بيباس، وقد قتلوا جميعا بنيران الاحتلال خلال محاولات استعادتهم بالقوة.
وجرت علمية التسليم في منطقة بني سهيلا بمحافظة خان يونس جنوبي القطاع، وسط وجود مكثف لعناصر من الفصائل الفلسطينية ترتدي ملابس عسكرية ومدججة بأسلحة.
اختيار منطقة بني سهيلا موقعًا للتسليم له رمزية خاصة إذ إنّها كانت مأوى ومكانًا لاحتجاز عدد من جنود وضباط ومستوطني الاحتلال في أنفاق تحت الأرض.
وبينما تمركز الاحتلال فيها وعمد إلى تجريف وحفر البنية التحتية على مدار أشهر، إلا أنّه فشل في الوصول لأي من أسراه سواء الأحياء منهم أو الأموات.
كما كانت بني سهيلا من بين البلدات الثلاث في مدينة خانيونس، التي دخلها الاحتلال خلال العملية العسكرية البرية في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ونقطة التسليم تقع بالقرب من مسجد الظلال الذي دمّره جيش الاحتلال.
من جهته، يقول الباحث في الشأن السياسي والاستراتيجي سعيد زيادة، لأول مرة تجري عملية تسليم جثث أسرى اسرائيليين في خانيونس، منطقة بني سهيلا قرب مسجد الظلال تحديداً.
وأوضح الباحث، أن رمزية المكان "الظلال" هو المكان الذي جندت إسرائيل فرقة كاملة (الفرقة 98) للقيام بمناورة اختراقية، للبحث عن أسرى اسرائيليين فقامت بحفريات عميقة في باطن الأرض لمدة 4 أشهر، دون أن تعثر على شيء.
وأشار زيادة إلى، أن لواء خانيونس اختتم هذه المعركة بكمين الأبرار الذي نفذ ليلة السابع والعشرين من رمضان العام الماضي في منطقة الزنة، وهذه المنطقة قريبة من السياح الأمني الفاصل وهي أرض زراعية في غالبيتها.
والظلال هو المكان الذي دخلته مرة أخرى قوات العدو في في 22/7 وقامت بأعمال حفريات جديدة في المنطقة للبحث عن أسرى اسرائيليين.
فيما يقول المحلل السياسي مهند مصطفى، إن "اختيار القسام بني سهيلا لتسليم أول دفعة من الجثث، يعكس دلالة رمزية مهمة، فـ خانيونس تعرضت لأكثر 120 يومًا لعملية عسكرية واستخبارية شاركت بها الفرقة 98 بألويتها الثلاثة، ووصفت منطقة بني سهيلا بأنها تطفو على بحر من الأنفاق، ورغم ذلك لم تعثر (إسرائيل) على أسير واحد، أو معلومات".
وعلى أسطح البيوت المهدمة بمنطقة بني سهيلا في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، رفعت المقاومة لافتات تشير للكمائن التي تعرضت لها قوات الاحتلال في عدد من مناطق القطاع خلال الحرب.
ومن بين الكمائن التي نشرت المقاومة صورا لها، كمين الفراحين الذي وقع بمنطقة الزنة شرقي مدينة غزة، وقد كتبت المقاومة على اللافتة أنه لم يكن نزهة، بل محرقة. وكانت الصور تشير إلى أن هذا الكمين قد أوقع 8 قتلى إسرائيليين
وكان بعض مقاتلي القسام يحملون أسلحة من التي تم استخدامها في هذه العمليات، والتي ظهرت كثيرا في الفيديوهات التي كانت تبثها المقاومة للعمليات قبل وقف إطلاق النار.
كما ألقى أحد المقاتلين بيانا بالعمليات التي وقعت شرقي مدينة غزة خلال الحرب وتفاصيلها والطريقة التي تمت بها والخسائر التي تكبدها الاحتلال فيها.
وفي وسط ميدان التسليم، نشرت المقاومة لافتات تحمل صور توابيت وإحصائيات للعمليات والخسائر الإسرائيلية فيها، وصورا أخرى تعبر عن مواجهة المقاتلين للآليات الإسرائيلية.
كما رُفعت لافتة في المنطقة حملت عبارة "عودة الحرب = عودة الأسرى في توابيت"، في إشارة إلى المصير الذي ينتظر الأسرى الإسرائيليين في غزة إن قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العودة للحرب مجددا.
حضور قائد كتيبة الشرق
ونقل عن أحد قادة المقاومة أن القسام نفذت العديد من العمليات المعقدة ضد قوات الاحتلال شرقي مدينة غزة.
ووفقا للقيادي القسامي، فقد شهدت هذه المنطقة خلال الحرب تفجير 6 بيوت كان تتمترس فيها قوات إسرائيلية بقذائف مضادة للأفراد، إضافة إلى 26 عملية استهداف مختلفة و21 عملية قنص وصفها بالمعقدة وضرب 20 دبابة بقذائف الياسين.
وقام قائد المنطقة الشرقية في كتائب القسام بتسليم الأسرى للصليب الأحمر، وهو الذي أعلنت إسرائيل مقتله خلال الحرب، كما حضر عملية التسليم أيضا قائد الكتيبة الشمالية الذي حاولت إسرائيل اغتياله.
ووضعت المقاومة أيضا لافتات كتب عليها "النازية الصهيونية في أرقام"، وعليها كتبت أعداد الشهداء المدنيين الذين قتلهم الاحتلال خلال الحرب، وكذلك الإصابات والمجازر التي نفذها في مختلف المناطق.
وشملت هذه الأرقام تفصيلا بأعدد الشهداء من النساء والأطفال والعائلات التي تم استهدافها وأخرى مسحت بأكملها من السجلات المدنية. ووفقا لما كان منشورا، فإن 61 ألفا استشهدوا خلال الحرب بينهم 13 ألفا لا يزالون تحت الأنقاض.
فقد كانت هناك صور تؤكد أن عائلة بيباس -التي تم تسليم جثثها- كانت على قيد الحياة في أول الحرب، وفق كرام.
ونشرت حماس بيانا قالت فيه إنها حاولت الحفاط على حياة الأسرى بكل الطرق، متهمة الاحتلال بالتعامل بوحشية مع هذه العائلات الإسرائيلية.
ووجهت رسالة لعائلات بيباس وليفشتس، قالت فيها إنها كانت تأمل في عودتهم أحياء بيد أن الاحتلال فضل قتلهم وقتل معهم 17 ألف طفل فلسطيني.
وأكدت الحركة أنها حافظت على حرمة جثث هؤلاء القتلى بينما لم تحترمهم حكومتهم أحياء وقتلتهم هم وآسريهم. وقالت إن المجرم بنيامين نتيناهو يتباكى على قتلاه لكي يتنصل من مسؤولية قتلهم.