فلسطين أون لاين

تبادل الأسرى.. انتصارٌ حضاري وإنساني للمقاومة

تبادل الأسرى.. انتصارٌ حضاري وإنساني للمقاومة
تبادل الأسرى.. انتصارٌ حضاري وإنساني للمقاومة
فلسطين أون لاين

ترسل المقاومة قطعة ذهبية هدية لمن وُلِد له طفل وهو في أسرهم، بينما تلد الأم الفلسطينية في سجون الاحتلال وهي مقيّدة بحديد سرير الولادة. يخرج الأسرى الإسرائيليون بمراسم تسليم للجنة الدولية للصليب الأحمر تحفظ كرامتهم، وتتجلى فيها القيم الحضارية والإنسانية.

في المقابل، يتحرر الأسرى الفلسطينيون وهم يتعرضون للضرب والتعذيب حتى خلال لحظات تسليمهم للصليب الأحمر، في انحطاطٍ إنساني تتهاوى فيه (إسرائيل) التي تدّعي أنها دولة، بينما تتصرف كعصابة، امتدادًا لجذورها التي نشأت من رحم عصابات صهيونية لا تزال متغلغلة في سلوك الاحتلال، الذي لم ينسلخ عن ذاته رغم محاولات تجميل صورته بأسماء وزارات وإدارات سجون لم تغيّر من طبيعته العنصرية والنازية.

يظهر الفرق جليًا في احترام المقاومة للقوانين الدولية والتعامل مع الأسرى وفق مبادئ الدين الإسلامي، الذي يحثّ على احترام الأسير ومعاملته معاملة حسنة، بينما ينتهك الاحتلال تلك القوانين، ويتجلى هذا الفرق في كل التفاصيل.

وفي الوقت الذي تحقق فيه المقاومة انتصارًا مدويًا على مرأى العالم، يستمر الاحتلال في الانحطاط القِيَمي والأخلاقي والإنساني في تعامله مع الأسرى الفلسطينيين، فيُظهر غضبه بعد رضوخه لصفقة التبادل إثر فشله في تحرير أيٍّ من أسراه بعملية عسكرية خاصة، ليُفرغ ذلك في معاملة قاسية للأسرى الفلسطينيين أثناء الإفراج عنهم.

وحشية الاحتلال

تنشر المقاومة أسماء الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم في بيانات رسمية، ليتمكن ذووهم من الاستعداد لاستقبالهم، بينما تقتحم وحدات عسكرية إسرائيلية سجون الاحتلال وتعتدي على الأسرى بالضرب، وتُبقيهم في حالة جهلٍ تام بمصيرهم، حتى باتت هذه الوحشية في اللحظات الأخيرة علامة يعرف بها الأسرى أنهم سيُفرج عنهم، حتى أصبحوا يرددون فيما بينهم: "هاي ترويحة يا شباب".

يقول الأسير المحرر يوسف المبحوح لـ "فلسطين أون لاين" "تفاجأتُ باقتحام السجّانين زنزانتي، والتعامل معي على أنها عملية نقل لسجن آخر، رافقها الضرب المستمر. سبق ذلك تجويع شديد مورس ضدنا لمدة عام، فقدتُ خلاله نصف وزني، باستثناء الأيام الأربعة الأخيرة، حيث سُمح لنا بتناول الطعام كي لا تظهر أجسادنا الهزيلة أمام العالم".

ويضيف: "عندما نُقلتُ إلى معتقل النقب، رغم أن تصنيفي لدى الاحتلال كأسير أمني خطير لا يسمح لي بدخوله، أثار الأمر استغرابي، حتى بدأ بعض الأسرى بمناداتي وإعلامي أن هذه (ترويحة)، فحمدتُ الله، لكن الضرب لم يتوقف، حتى أثناء صعودي إلى حافلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعلى مرأى من ممثليها".

اعتُقل المبحوح في 15 فبراير/شباط 2018، وصدر بحقه حكم بالسجن 25 عامًا، أمضى منها سبع سنوات، قبل أن تحرره المقاومة عبر صفقات التبادل الجارية حاليًا في 8 فبراير/شباط 2025.

لم تقتصر جرائم الاحتلال على الضرب، بل ظهرت في صورة نشرتها إدارة سجون الاحتلال، تُظهر أسرى فلسطينيين أُجبروا على ارتداء قمصان تحمل نجمة (إسرائيل) مطبوعًا عليها عبارة "لن ننسى ولن نغفر"، خلال تسليم الدفعة السادسة السبت الماضي، في ترجمة عملية لمبادئ اليمين المتطرف والصهيونية الدينية القائمة على السادية والعنصرية والقمع والوحشية، وكل ما يعارض الإنسانية.

حازم السموني، أحد الأسرى المحررين الذين أُجبروا على ارتداء تلك القمصان، يروي الكواليس التي رافقت ذلك، قائلًا: "قبل عشرة أيام من الإفراج، نُقلنا عشرين مرة حتى لا نشعر بالاستقرار. يوم الجمعة، أي قبل الإفراج بيوم، أُجبرنا على ارتداء تلك القمصان في ساحة معتقل النقب، رغم أن المعتاد كان ارتداء الملابس الرمادية".

ويضيف السموني لـ"فلسطين أون لاين": "تعرضتُ للضرب أثناء النقل إلى معتقل النقب من قبل جنود الاحتلال بالهراوات، خاصة على المفاصل والعمود الفقري، وكانت (فشة غل) أخيرة، حتى أثناء النقل، وُضعنا في حافلة تحتوي على زنزانة". ويشير إلى تعرض الأسرى للتهديد من قبل مخابرات جيش الاحتلال.

اعتُقل السموني أثناء محاولته النزوح إلى جنوب القطاع، وذلك عند حاجز عسكري على طريق صلاح الدين. ويُشير إلى أن العديد من المعتقلين تعرضوا للضرب بعد أن استولى عناصر المخابرات على هواتفهم، وراجعوا ما كانوا ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي.

حرب الصورة

في مقابل هذه الشهادات عن المعاملة الوحشية للأسرى الفلسطينيين، رأى العالم كيف يحيّي أسرى الاحتلال وجنوده ومجنداته لحظة تسليمهم أهالي قطاع غزة خلال المراسم، وهم يحملون الهدايا ويبتسمون، ويتحدثون لوسائل الإعلام عن معاملة المقاومة الحسنة، وحرصها - رغم التجويع والحصار - على إطعامهم بشكل جيد، وحمايتهم من القصف، وتقديم الرعاية الصحية لهم، وهو ما بدا جليًا في ملامحهم.

في المقابل، خرج الكثير من الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال في حالة وهنٍ شديد، بعضهم يحمل علامات الضرب واضحة، وأحدهم خرج وهو يحمل أنبوب تنفس اصطناعي.

يقول المختص في شؤون الأسرى وليد الهودلي، وهو أسير محرر: "المسألة تتجاوز حرب الصورة، فالأمر يتعلق بأخلاق وقيم حضارية أصيلة، ما بين الحضارة الإنسانية العالية للمقاومة، والانحطاط الحضاري القذر للاحتلال".

ويؤكد الهودلي أن المقاومة حققت انتصارًا حضاريًا وإنسانيًا خلال عمليات التبادل، بعدما نجحت في تصدير صورة موثقة عن أخلاقيتها العالية.

ويضيف الهودلي لـ"فلسطين أون لاين": "على الصعيد الدولي، أصبح انحطاط الاحتلال الإسرائيلي واضحًا، سواء بجرائمه ومجازره في حرب الإبادة، أو معاملته القاسية للأسرى الفلسطينيين، وبات منبوذًا وملاحقًا، إلا من الدول المتورطة في الإبادة كأمريكا وبريطانيا".

ويرى أن مراسم تسليم الأسرى التي تنظمها المقاومة تمثل إنتاجًا مدهشًا في عالم الصورة والتأثير، حيث تُراعي حتى أدق التفاصيل الإنسانية، كإرسال قطعة ذهبية هدية لمن وُلِد له طفل وهو في أسرهم.

في المقابل، يتفنن الاحتلال في إيذاء الأسرى الفلسطينيين، حتى إنه أجبرهم على ارتداء قمصان تحمل نجمة (إسرائيل)، في تصرف يعكس السادية والعنصرية.

ويؤكد الهودلي أن هذه التصرفات ليست مجرد تجاوزات فردية، بل سياسة ممنهجة تعكس عقيدة دينية متطرفة، تقوم على العنصرية والشعور بالتفوق الجيني، دون أي اعتراف بحقوق الأسرى التي أقرتها معاهدات جنيف، أو الاحتكام لأدنى الأعراف الإنسانية.

ويختم بالقول: "العالم شاهد إنسانية المقاومة، التي تنطلق من المبادئ القرآنية التي تقيم العدل، وتزرع السلام والطمأنينة بين الناس".

اخبار ذات صلة