لا ينسى المحرر فارس محمد العصار (44 عاما) فجر السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، بعد أدائه الصلاة والجلوس حتى إعداده فنجان القهوة ومتابعته للأخبار الصباحية داخل غرفته في سجن "نفحة" المركزي.
"صليت الفجر، وانتظرت سماع الأخبار الفلسطينية عبر الراديو في تمام الساعة السادسة صباحا ثم المحطات الإسرائيلية، حتى أضحت الساعة 6:23 دقيقة (...) هذا الوقت لا يمكن أن أنساه، بدأت الشاشة العبرية آنذاك بأخبارها العاجلة حول إطلاق الصواريخ من غزة صوب المواقع والمستوطنات الإسرائيلية" يستذكر المحرر فارس تلك الدقائق واللحظات.
"ظروف الأسر صعبة جدًا ولا توصف.. أضافت مصلحة السجون وحدات خاصة لقمع الأسرى.."
— ق.ض 𓂆 (@qadeyah_) February 9, 2025
- المحرر فارس العصار من مخيم النصيرات في غزة، تحرر مساء الأمس ضمن صفقة طوفان الأحرار بعد قضائه 19 عاماً في سجون الاحتلال. https://t.co/yRjT0aMJuT pic.twitter.com/pmO4rEd5Xi
في بداية الأمر تعجبت واندهشت "شو في؟"، ثم أعددت القهوة الصباحية لرفيق السجن الأسير أحمد أبو جابر من بلدة كفر قاسم داخل الأراضي المحتلة، المعتقل منذ 37 عاما، فقلت له: "انظر للتلفاز شو أهل غزة عاملين؟ فرد قائلا: "مال الغزازوة فايعين؟".
تلك المشاهد، جعلت الأسرى في حالة "صدمة" واندهاش كبير حتى بدأت الكاميرات الإسرائيلية تنقل مشاهد دخول المقاومين الفلسطينيين للمستوطنات والمواقع العسكرية المحاذية لغزة.
يعود الأسير المحرر بذاكرته لذاك اليوم قائلا لصحيفة "فلسطين": "رأينا تلك المشاهد، رأينا أسر الجنود والمستوطنين.. حينها شاهدت مخيم النصيرات وشوارعه .. أيقنت أن الحرية اقتربت".
سجد الأسرى آنذاك "سجدة الشكر لله عزوجل" ونطقت ألسنتهم بدعاء واحد لا غيره "يا رب الحرية .. يا رب الحرية" حتى وصلت الساعة 12 ظهرا لتبدأ إدارة سجون الاحتلال بحملة قمعية غير مسبوقة في تاريخ الحركة الأسيرة.
"رحلة معاناة لا توصف".. الأسير المحرر فارس العصار من قطاع #غزة يتحدث عن التعذيب في سجون الاحتلال حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج عنه#حرب_غزة pic.twitter.com/CLip3PUEhy
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 8, 2025
"قمع، تعذيب، سحب الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، عزل قادة الحركة الأسيرة، سحب الساعات الشخصية، لا طعام، لا شراب، لا دواء، لا حمام، لا صلاة جماعية.. وغيرها من صنوف العذاب".
ولا تزال الحملة القمعية بحق الحركة الأسيرة مستمرة منذ ذاك اليوم وحتى اللحظة، حتى قادة الحركة الأسيرة لا يعلم الأسرى أخبارهم وحالتهم الصحية سوى أنهم داخل العزل الانفرادي منذ 15 شهرا.
ولا ترى الحركة الأسيرة، بحسب الأسير السابق، سوى هدفا إسرائيليا واحدا هو "الانتقام من الأسرى" وخاصة أسرى المؤبدات الذين يسودهم الأمل بالحرية منذ رؤية مشاهد أسر المستوطنين وجنود الاحتلال من مواقعهم العسكرية.
العصار، واحد من أسرى المؤبدات ومعتقل منذ عقدين من الزمان في سجون الاحتلال، ولم يراوده الأمل بالحرية.
لكن هنا، يستوقف الأسير المحرر بحديثه معبرا عن فخره وامتنانه لأهل غزة الذين سطروا ملاحم التضحية والبطولة فداء للوطن ومقدساتهم وفداء للأسرى الذين "نالوا حريتهم بعد جرح عميق داخل كل بيت من بيوت أهل غزة".
ونال فارس حريته، ضمن الدفعة الخامسة من صفقة تبادل الأسرى، السبت قبل الماضي، وبموجبها تحرر 183 أسيرا، بينهما 18 أسيرا محكومون بالمؤبد لفترات متعددة، أحدهما الأسير فارس الذي حكم عليه آنذاك بالسجن المؤبد و10 سنوات.
وتوزع الأسرى 42 من الضفة، و 3 من القدس، و138 من غزة، بينهم 111 اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023.
ولا يستطيع فارس التعبير عن فرحته بحريته ورؤية السماء والسير تحت زخات المطر في شوارع مخيم النصيرات التي يحاول التجول يوميا فيها؛ لاستعادة ذكرياته ورؤية جيرانه وأصدقاء المدرسة والطفولة.
"شعور لا يوصف، لا يمكن اختصاره بكلمات أو أوصاف"، يختم المحرر حديثه وسط تفاؤل وأمل برؤية رفقاء الأسر من أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية قريبا خارج أسوار السجن وبين أهلهم وأحبائهم.

