قائمة الموقع

أينما مرت الدبابات.. يصنع الفلسطينيون الحياة من جديد

2025-02-16T10:30:00+02:00
فلسطين أون لاين

في كل زاوية من زوايا غزة، حيث توغلت دبابات الاحتلال وخلّفت وراءها الدمار، يكتب الفلسطينيون قصصا جديدة من التحدي والصمود. بين الركام تنبض الحياة من جديد، فالأسواق تفتح أبوابها كأنها تعيد ترتيب المشهد على إيقاع الإرادة، والمبادرات التعليمية بدأت تحتضن أطفالها رغم الجدران المهدّمة، والمنازل تُبنى بأيادٍ لا تعرف اليأس.

ليست غزة كما يريدون تصويرها، مدينة خالية من الأمل، بل هي قلعة صامدة تنفض الغبار عن وجهها كلما حاولوا طمس ملامحها. هنا، لا مكان للاستسلام، ولا صوت يعلو فوق صوت البقاء. مخططات التهجير، مهما تعاظمت، ليست سوى سراب يتلاشى أمام عزيمة شعب يثبت للعالم يومًا بعد يوم أن الحياة هنا ليست خيارًا، بل قدرٌ نُقش في صخور هذه الأرض.

 الحياة تنتصر على الدمار

رغم الدمار الذي طال الأسواق والشوارع في غزة، رفض تاجر الأحذية عامر الشرفا الاستسلام للخراب. ففي سوق الساحة شرق مدينة غزة، وقف الشرفا (45 عامًا) أمام متجره الذي كان يعجّ بالأحذية قبل أن يتحول إلى كومة من الركام بفعل القصف. لكنه لم ينتظر المساعدات أو مشاريع الإعمار، بل حمل فأسه وبدأ بإزالة الأنقاض بنفسه، مستعينًا بأصدقائه وأقاربه.

وقال الشرفا لصحيفة "فلسطين": "حين رأيت متجري مدمرًا، شعرت أنني فقدت كل شيء، لكنني أدركت بسرعة أن البقاء مكتوف اليدين لن يجلب لي شيئًا سوى الحزن. جمعت أصدقائي وأقاربي، وبدأنا بإزالة الركام بأيدينا، لأن انتظار الإعمار قد يطول".

وأضاف وهو يعيد ترتيب بعض الأحذية على رفوف حديدية قديمة: "كان لدي خياران، إما الاستسلام لفكرة أن غزة لم تعد مكانًا للحياة، أو إثبات العكس. أنا اخترت المقاومة بطريقتي، وهذه المرة بالسوق والعمل".

وعن مخططات التهجير التي تروج لها بعض الجهات، قال النجار: "نسمع الكثير عن محاولات إخراجنا من هنا، وكأن غزة باتت مكانًا لا يصلح للعيش، لكن الحقيقة أن هذا المكان هو حياتنا، وسنبنيه مرة تلو الأخرى. ترامب وغيرُه يخططون لتهجيرنا، لكن من يستطيع اقتلاع شجرة مغروسة في الأرض منذ مئات السنين؟ غزة ستنهض، وسنعود أقوى".

 انتشال الطفولة من الضياع

لم تستسلم ليلى سعد (38 عامًا) للواقع المرير بعد أن تهدمت معظم المدارس في قطاع غزة. بدلًا من ذلك، حولت الحواصل الموجودة أسفل منزلها في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة إلى فصول دراسية، مستقبلة عشرات الأطفال الذين حُرموا من التعليم بسبب الحرب.

وقالت ليلى لصحيفة "فلسطين": "بعد الحرب، كنت أنظر إلى الأطفال في الحي وأشعر بالحزن، فقدوا مدارسهم وأحلامهم، وكانوا يقضون وقتهم في الشوارع دون تعليم. قررت أن أفعل شيئًا بدلًا من الاكتفاء بالمشاهدة، ففتحت هذه المدرسة المؤقتة في أسفل منزلي".

وأضافت وهي تشير إلى سبورة صغيرة معلقة على الجدار: "نحن لا نملك كل ما تحتاجه مدرسة حقيقية، لا مقاعد كافية ولا كتب جديدة، لكن لدينا الإرادة والرغبة في التعليم. الأطفال يأتون يوميًا بحماس، لأنهم يعلمون أن هذا حقهم، وأن الاحتلال لا يمكنه أن يحرمهم من التعلم كما حرمهم من منازلهم".

وأكدت ليلى أن مبادرتها هذه هي رسالة صمود بحد ذاتها: "يقولون إن غزة لم تعد صالحة للحياة، لكننا نعيش ونقاوم، ونبني مدارسنا. لا أحد يستطيع أن يقتلعنا من أرضنا، فهذه مدرستنا، وهؤلاء طلابنا، ونحن هنا باقون".

 إعادة الإعمار بجهود ذاتية

في حي الزيتون، وقفت عائلة حسين أبو خليل (42 عاما) أمام منزلهم المدمر، لكنهم لم يسمحوا لليأس بالتسلل إليهم. بدأ الأب والأبناء بإزالة الركام، وجمعوا ما استطاعوا من الأخشاب والشوادر، ليعيدوا بناء جزء من منزلهم بشكل مؤقت.

وقال أبو خليل لصحيفة "فلسطين" وهو يمسح العرق عن جبينه بعد ساعات من العمل: "لن ننتظر أحدا ليعيد إعمار بيتنا. نحن أصحاب هذه الأرض، وإذا اضطررنا للعيش تحت السماء المفتوحة، فلن نرحل".

وأشار إلى الحجارة التي جمعوها من الدمار: "هذه ليست مجرد حجارة، إنها ذكرياتنا وتاريخنا، كل زاوية من المنزل تحمل جزءًا من حياتنا. رفضت أن أتركه يتحول إلى أنقاض وقررت أن أعيد بناءه بأي وسيلة متاحة".

أما زوجته، التي كانت تجهز وجبة بسيطة لأبنائها تحت سقف من الشوادر، فقالت لصحيفة "فلسطين": "قد لا يكون هذا منزلًا بالمفهوم التقليدي، لكنه يحمي أولادي من البرد والمطر، وهذا يكفينا الآن. كلما نظرت إلى جدرانه المؤقتة، أقول لنفسي: هذا ليس النهاية، بل بداية جديدة".

وأكد أبو خليل أن ما تقوم به عائلته ليس حالة فردية، بل هو جزء من مشهد عام في غزة: "الكثير من العائلات هنا تفعل الشيء نفسه، نبني بأيدينا لأننا لا نملك خيارًا آخر. يريدون أن نيأس ونغادر، لكننا نصنع الأمل من العدم، وغزة لن تموت، ولن تكون إلا لنا".

اخبار ذات صلة