قائمة الموقع

"حياة زمان".. متعةٌ يستحضرها كبار السن بتمسكهم بكل "قديم"

2017-10-28T09:11:35+03:00


بين الحديث عن الماضي والحنين الذي يجعلهم يقضون أيامهم بيُسر، وبين الحاضر الذي تُحاصرهم فيه الذكريات، لا يزال كبار السن يعودون لعاداتهم السابقة، رغم التطورات التكنولوجية الهائلة، فيمارسونها أمام أحفادهم، ليبقى حنينهم للماضي حاضرًا في حياة الجيل الجديد، باحثين بذلك عن الأصالة، ليسقوا زهرة الحب القديم الذي افتقدوه مع تطور الحياة العصرية.

أغانٍ تراثية يرددونها، أو أكلاتٍ شعبية يستمتعون بصنعها وتناولها، أو ملابس قديمة ما تزال محتفظة بمكانها في خزانتهم، وبما جهاز "راديو" قديم لا يروق لهم معرفة أخبار العالم إلا من خلاله.. هكذا هو حال بعض كبار السن، فالعادات القديمة التي حملتها ذاكرتهم تعينهم على تعقيدات الحياة، وترسل ومضاتٍ تشرق في قلوبهم، ليبتسموا، مستحضرين حياتهم السابقة.

أبو رياض

التقينا بالحاج "أبو رياض دويمة" وزوجته "أم رياض"، وجدنا فيهما نموذجا يجبر الابتسامات على الظهور على وجه من يسمع حديثهما، ما يزالان يغنيان لبعضهما الأغاني القديمة، يصليان معا في جماعة، والملابس القديمة لا تهترئ في عرفهما، تتذكر مواقفه الجميلة، ويساعدها هو على التواصل مع صديقاتها.

بحنينٍ يبتسم على وجه الجدات كلما مرّ الحديث عن التراث وحنينهن للأيام القديمة، تقول الحاجة أم رياض: "كان الحبّ في زماننا مختلفًا، على سبيل المثال، عندما أسمع الأخبار عبر صوت (إسرائيل) ولا أصدقها، فأتجه إلى إذاعة فلسطينية فيعلق الحاج أبو رياض عندكم (مونتكارلو) شوفوا شو بتحكي، لأثبت الخبر لمن يريد.

ومن العادات الجميلة التي تحافظ عليها أم رياض، صاحبة الخمسة وسبعين عامًا، مع زوجها، أغاني التراث المتبادلة بينهما، فتغني الحاجة: "أبو فدن عليك الورد تبنا، واحنا شباب وعن دروب العيب توبنا، وحسبتك يا حبيبي ذهب صافي أتريك تبنة، وخفيف يطيرك الهوا"، ويرد عليها أبو رياض: " قالوا صباح الخير أبو منديل، زيت وقمر ونجوم وع الدنيا ضويتي وتمنيتك أبو علي بيتك بحد بيتي، وشباكين ع الغربي سوا".

ملابس بعمر الـ30

كان للزمن الماضي نكهته الخاصة في نفوس الأجداد، كالعلاقة بالجيران والمناسبات والأكلات، لذا تحافظ ضيفتنا على التواصل مع صديقة قديمة لها تقيم في الخارج، ويتولى مهمة الاتصال الزوج "أبو رياض"، وفي المكالمة تتذكر الصديقة: "ساق الله على أيام زمان يا أم رياض، عندما كنا نذهب للخلاء نزرع وننكش..".

تضيف الحاجة، "كان كل شيء مختلفا، وأقل الأمور تسعدنا، عند الحاج قمصان مصنوعة من الصوف عمرها 30 سنة، يرتديها حتى اليوم، وكانت قد أنتجتها جارتنا الراحلة".

قريبتهما الحاجة "أم عيد دويمة"، ذات الثمانية والثمانين عامًا، تقول: "فرشات زمان لا تعجب أحدا هذه الأيام، الجميع أصبح يبحث عن (العالي)، لكني حتى اليوم أصنع الفرشات، وأمرّج الأطفال".

وتضيف: " أشتاق للماضي، ولأهله، وصحته، نزرع وننكش في الخلاء، مع زوجي وأهل البيت".

حلوة؟.. "بتجنن"

وتبتسم الحاجة "أم فؤاد شخصة" التي بدأت حديثها لنا من "طبخة اليوم"، ففي يوم لقائنا معها كان غداؤها "ملّاحة" أي "فتوش"، لتوضح لنا مدى حفاظها على الطابع القديم في الطعام، وغيره، تقول: "عندما تطبخ كنتي طعامًا لا أحبه، أصنع الملّاحة".

وتضيف: "كما أنني أصنع كحل الزيت، فأحضر شريطين من القطن، أسدلهما وأربطهما، وأضع الزيت في الصحن، ثم أشعل الفتيلة وأغطيها بصينية كبيرة، فيدخن حتى ينتهي الزيت، ثم أفركه بالورقة، وأملأه في عبوات، لأوزعه على من تردنه من عائلتي".

عندما سألتها عما تفعله في الأفراح اليوم، وجهت حديثها لابنتها التي جاءت لزيارتها: "مش غنيت لمحمد ابنك يوم عرسه؟ قلت: (شفت محمد على طريق العين عصرية، شب اسمراني وإله دقات للغية، والله لأرسله لأمه تغني له مواوليه، وترشله ع الجيبة ريحة عطاطرية) مش زعردتي لما غنيت؟"، ترد ابنتها "زغردت".

وتعود للحديث إلى ابنتها وكنتها كمن تذكر حدثًا مهمًا أنها ستغني في زفاف ابن أخيها: "بدي أغني لما يزوج محمد ابنه "يا خي يا أبو محمد، اعلا وعلينا، على قصرك العالي اذبح وحيينا لحم ما ناكله، وحرير اكسينا، حرير ما نلبسه وصيتك يقضينا"، ثم تسأل: "حلوة؟"، فيأتيها الرد من ابنتها وحفيداتها: "أووه بتجنن".

حنين وهروب

وعلق الأخصائي النفسي والاجتماعي د. إياد الشوربجي، على حنين كبار السن للماضي: "كانت الحياة القديمة قائمة على البساطة والود والتراحم، بعيدة عن التعقيدات، لذلك يحنون لها، وما يزالوا متعلقين بها، فيتجهون للعادات القديمة لأنها تذكرهم بالماضي الجميل".

وقال لـ"فلسطين": "يمكن ربط هذا التعلق بالجانب النفسي، لأن الإنسان يحن للذكريات الجميلة، فيرجعون إليها من خلال وجبات طعام معينة، أو أغاني تراثية، حيث يسعى الشخص منهم لجلب الراحة من خلال الاستمتاع بالشيء القديم، واللجوء إلى أشخاص الطفولة للتحدث معهم عن حياتهم، وعندما يتحدثون عن الماضي يساعدهم ذلك في انشراح الصدر وتحسين الحالة النفسية، والمزاجية".

وأضاف: "وقد يكون هذا نوع من أنواع الحنين، أو الهروب من الواقع، لفتح نوافذ على العالم الجميل، وهو بالنسبة لهم العالم القديم".

اخبار ذات صلة